لبنان… اقتصاد هش يعكس فوضى في الشارع

لبنان… اقتصاد هش يعكس فوضى في الشارع
أكد خبراء اقتصاديون في لبنان، أن البلاد متجهة إلى تفاقم في الأزمات الاقتصادية وإضرابات وفوضى اجتماعية، وارتفاع نسبة الفقر والمجاعة؛ الأمر الذي سينعكس فوضى في الشارع.
“الفوضى” هي الكلمة، التي باتت تتردد على ألسنة السياسيين والمواطنين العاديين في وصف مجريات الأمور، في بلد بات 80% من سكانه يعانون الفقر، بينما فقدت عملتهم الوطنية أكثر من 90% من قيمتها، ويعجز فيه ممن ادّخروا جزءاً من جنى العمر في المصارف، عن الحصول ما يحتاجون إليه من أموال، إما من أجل معالجة مريض، أو لتأمين مصاريف دراسة أبنائهم، سواءً في لبنان أو في الخارج، أو لسداد ديون وإعالة أُسرهم.
لم تعد الفوضى في لبنان مجرد سيناريو يُحذر من الوصول إليه في بازار المزايدات السياسية والتحليلات الأمنية، وعناوين الصحف، إذ أصبح بإمكان المراقب في البلاد، أن يرى الفوضى ويقيسها بالأرقام، والنسب المئوية والأخبار العاجلة، بعدما باتت واقعاً ملموساً يعيشه المواطنون وينجون منه يومياً.
تعيش البلاد على ضوء الشمس، وتغيب معها في ظلمة دامسة بعد استفحال أزمة الكهرباء وانقطاع شبه تام للمحروقات، لا كهرباء داخل المنازل، يغيب التكييف والتبريد، تغيب شاشات التلفاز، وينقطع الإنترنت خارج المنازل، تغيب المستشفيات عن الخدمة واحدة تلو الأخرى، ومثلها معظم المرافق الحيوية في البلاد.
وحدها السوق السوداء تلبي الحاجات كلها، وتزدهر على هامش الأزمات، بأسعار خيالية يتخطى معها ثمن علبة الدواء المنقطع، أو صفيحة بنزين الحد الأدنى للأجور، يزداد التنقل صعوبة، وتكلفته ستتخطى نصف الأجور، وأكثر بعد رفع الدعم عن المحروقات، ما يهدد مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة بالشلل التام وتوقف الموظفين عن الذهاب إلى العمل، لعدم جدواه.
اقتصاد هش يقوم على نظام طائفي
ورأى الكاتب والخبير الاقتصادي، “باتريك مارديني”: “أن الفوضى هي مسار مستمر طالما أن حلول الأزمة لم تتحقق بعد، بل على العكس الأزمات تتعمق اجتماعياً، وسياسياً، واقتصادياً، ومعيشياً هذا النوع من الأزمات، واستفحالها إلى هذه المستويات؛ تمثل اليوم الشرارة التي من شأنها أن تشعل الفوضى والعنف”.
وأكد مارديني لوكالة هاوار: “أن النموذج الاقتصادي اللبناني الهش، الذي يقوم على نظام طائفي من جهة، يصدر أزماته وتتبدل الهيمنة بين أركانه وطوائفه على الحكم، وعلى نظام اقتصادي سائد من جهة أخرى؛ يؤمن لهذه المنظومة الاستمرار، مع انهيار هذا النموذج انتقلنا إلى نموذج آخر وهو مراحل انهيار الدولة، ومن ثم تحللها، وفي الوقت نفسه دخلنا الصعيد الاجتماعي في مرحلة انهيار المجتمع في لبنان، وقطاعاته الخاصة، كالقطاع التعليمي والصحي وانهيار الشركات، ومؤسسات القطاع الخاص كافة في نظام اقتصادي غير موجه بالأصل، وفي هذه الحالة فكرة الفوضى والعنف الأهلي تصبح هي القائمة”.
وأضاف مارديني: “ما نشهده من احتقان في الشارع؛ هو تعبير عن تفتت سلطة الدولة، وقدرتها على احتكار العنف، وبالتالي حتى لو لم نصل إلى حرب أهلية، لكننا قد نتجه إلى حالة من تفتت المجتمع ومواجهات أهلية مستمرة
الأزمة بالأرقام
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادّة بدأت عام 2019، عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة، التي كانت تمول بها، بينما لم يخرج السياسيون بعد بخطة إنقاذ، وفيما يأتي تداعيات الانهيار غير المسبوق بالأرقام:
تراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى ما يقدر بنحو 20،5 مليار دولار في 2021، من نحو 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع من الانكماش، الذي عادةً ما يصاحب الحروب على حد وصف البنك الدولي، الذي صنف هذا الانهيار المالي بأنه من الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ففقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها؛ ما رفع تكلفة كل شيء في الدولة المعتمدة اعتماداً قويّاً على الواردات، وقوض القوة الشرائية للعملة، وراتب الجندي الشهري، الذي كان يعادل في يوم من الأيام 900 دولار، يساوي الآن 50 دولارا فقط.
وقالت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، إنّ معدلات الفقر تزايدت بشكل كبير بين السكان البالغ عددهم 6،5 مليون نسمة، إذ يصنف 80% منهم كفقراء. والموقف يتفاقم، إذ قالت “اليونيسف”: إنّ أكثر من نصف الأُسر لديها على الأقل طفل واحد لا يحصل على إحدى وجبات اليوم.
تكبّد النظام المالي اللبناني خسائر فادحة، بما يشمل نحو 44 مليار دولار في المصرف المركزي، تتعلق بإخفاق الجهود الرامية لدعم العملة؛ وذلك وفقاً لبيانات حكومية في 2020. وهذا المعدل، هو بالتقريب مثلا حجم الناتج الاقتصادي والخسائر الإجمالية، التي تشمل تقليص القيمة الاسمية المتوقع للدين السيادي تفوق ذلك أيضاً.
هناك شلل في البنوك اللبنانية. مُنع المودعون من حساباتهم بالدولار، كما تطبق عمليات السحب بالعملة المحلية أسعار صرف تمحو 80% من قيمتها.
يواجه لبنان المعتمد على استيراد الوقود أزمة أيضاً في الطاقة، وحتى قبل الأزمة، كانت إمدادات الوقود، التي تستخدم في محطات الكهرباء، تشهد نقصاً حتى في العاصمة وحاليّاً، تعد الأسر نفسها محظوظة إن حظيت بأكثر من ساعة أو نحو ذلك من التيار الكهربائي يوميّاً، كما ارتفعت أسعار الوقود ارتفاعاً حادّاً، وركوب سيارة أجرة مشتركة، وهي وسيلة نقل منتشرة هناك، كان يكلف ألفي ليرة قبل الأزمة، أما الآن فيكلف في الرحلة نحو 80 ألف ليرة.
يهاجر اللبنانيون في موجة خروج جماعي هي الأكبر منذ الحرب الأهلية، التي دارت بين عامي 1975 و1990. ولقناعتهم أنّ مدخراتهم تبخّرت، فلا ينوي الكثير من اللبنانيين العودة هذه المرة إذ بدؤوا بناء حياتهم من الصفر.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنّ أغلب المستشفيات تعمل بنصف طاقتها مع هجرة نحو 40%من الأطباء، وأغلبهم متخصصون، أو عملهم بدوام جزئي في الخارج.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع روناهي