قانون الشراء العام الجديد: أي وجهة للمستقبل؟

قانون الشراء العام الجديد: أي وجهة للمستقبل؟

تتضمن موازنة العام ٢٠٢٢ حوالي 10،000 مليار ليرة من النفقات التي تخضع لرقابة هيئة الشراء العام. وتعد هذه النفقات أول تحد للتأكد من قدرة قانون الشراء العام الجديد على تأمين شفافيتها وجدواها ومراعاتها للأصول والقوانين. فقد ساهم تفلت النفقات العامة من الرقابة الفعلية في زيادة حجم الدين العام وإيصال البلاد إلى الأزمة الحالية.

ما هو دور هيئة الشراء العام؟

حول قانون الشراء العام إدارة المناقصات من إدارة في التفتيش المركزي إلى هيئة عمومية مستقلة بمسمى هيئة الشراء العام، هدفها فرض رقابة لتمهين الشراء العام وحوكمته والتدقيق الداخلي وحفظ الشفافية والنزاهة والمساءلة. وتكون هيئة الشراء العام بمثابة نيابة عامة في مجال الشراء العام ولها حق المداعاة أمام القضاء في حال أخلّت الجهات الشارية بإحدى القواعد الواردة في القانون لدى إجرائها عمليات الشراء. وتراقب الهيئة عملية فتح العروض وتحرص على علنيّتها وحصر التلزيم بلجنة التلزيم.

ما هي النفقات التي تخضع لقانون الشراء العام الجديد؟

 يخضع 13 إلى 15% من مجمل إنفاق موازنة العام 2022 لقانون الشراء العام الجديد، إضافة إلى الإنفاق على الشراء العام في البلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والوزارات. وتشمل أحكام القانون الجديد نفقات الإنشاءات والصيانة والتجهيزات وجزءًا من النفقات الاستثنائية والطارئة ومشتريات مصرف لبنان وعمليات الشراكة مع القطاع الخاص. ويضمن القانون الجديد في المادة الأولى مبادئ المنافسة والشفافية والمساءلة والحوكمة ويضبط العقود الرِضائية ويسمح بتنوع الموردين ويمنح فرصًا متكافئة. أمّا النفقات المالية والرواتب والمخصصات والتحويلات فهي غير مشمولة بقانون الشراء العام.

العوائق التي تمنع تطبيق القانون الجديد.

يصبح قانون الشراء العام نافذًا اعتبارًا من 29 تموز 2022، ولكن تبرز الخشية من إمكانية عدم تَطبيّقه كما حصل مع القانون 462 تاريخ 2/9/2002 الذي لم يُطبّق حتىّ اليوم، أي بعد 20 سنة. وتعود مسؤولية تطبيق القانون إلى الوزير الذي قد يفضل تفادي الخضوع إلى الرقابة والقيام بأعمالها عبر مستشارين من دون أي تخطيط كما جرت العادة. وقد ظهرت بوادر الالتفاف على القانون حين طعن في معظم بنوده الإصلاحية أمام المجلس الدستوري الذي، وإن رد الطعن، منح الطاعنين جائزة ترضية عبر جعل ولاية مدير عام إدارة المناقصات مؤقتة في رئاسة هيئة الشراء العام من دون أي سند دستوري أو قانوني.  

إيجابيات القانون الجديد

1- توسيع النطاق: تتمتع هيئة الشراء العام بصلاحية تراقب كافة المشتريات العامة بما فيها المنفذة من قبل المؤسسات والهيئات والمجالس والصناديق وغيرها، والتي كانت تستثنى من المرور بإدارة المناقصات، ما سمح بلجوء الوزراء إليها لتفصيل دفاتر شروط على قياس عارضين محددين دون حسيب أو رقيب. ويُعاقب قانون الشراء العام كل من يتدخّل في أعمال هيئة الشراء العام أيًا تكن صفته.

2- الحد من المشاريع غير المجدية. يضمن قانون الشراء العام، في حال الالتزام بأحكامه، مبادئ المردودية والفعالية والقيمة مقابل المال، فيحد من مشكلة الإنفاق على مشاريع دون مردودية أو إقراض جهات عاجزة عن سداد ديونها كما يحصل اليوم في ظل القانون الحالي. فعلى سبيل المثال، تُعطى في كل سنة سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان علما أن هذه المؤسسة غير قادرة على ردّ السلفة وراحت تراكم ديونها سنة بعد أخرى. وفي القانون الجديد، ينبغي على وزارة الطاقة الإنفاق من هذه السلفة لشراء الفيول في ظل رقابة هيئة الشراء العام. 

3- الشفافية. يُلزِم قانون الشراء العام نشر الإجراءات على الموقع الإلكتروني فيصبح بمقدور الشعب والمنظمات والأكاديميين والإعلام الاطلاع عليه دون الحاجة إلى التقدّم بطلب وانتظار المعاملات، ما يحسن القدرة على الرقابة. ويتضمن سجل إجراءات الشراء العام المعايير لتقييم أسس المفاضلة مع أخذ الأسعار المقدمة بعين الاعتبار، إلى جانب المعلومات عن العارضين، الفائزين منهم والخاسرين، وتعليل سبب رفض العارض أو فوزه ومهلة التنفيذ والمُشرِف على المناقصة. ورغم أن قانون الشراء العام لم يذكر قانون حق الوصول إلى المعلومات، إلا أنه تطرق له بطريقة غير مباشرة في الفقرة 2 من المادة 6 حين تحدث عن النشر والقوانين النافذة.

4- المناقصة العمومية. كرّس هذا القانون المناقصة قاعدةً عامة يتوجب تطبيقها في حين لم يكن القانون القديم يتطلب احترامَ مبدأ التنافسية في الصفقات. كما أدخلّ مبدأ المناقصة على مرحلتين، ولكنه فرض الحصول على موافقة هيئة الشراء العام قبل اللجوء إليها. وقد حصر طلب استدراج العروض في صفقات تقل قيمتها عن 100 مليار. وألغى قانون الشراء العام مبدأ الاتفاق بالتراضي وحصره بالضرورة القصوى فقط. فقد كانت كل الصفقات تُعقد بالتراضي بذريعة أنّها تُعرض في الموازنة.

سلبيات القانون الجديد

1- الحد من الصلاحيات. نقل القانون الجديد صلاحية إجراء المناقصات وفض العروض من يد سلطة الرقابة (إدارة المناقصات) إلى الجهة الشارية (الوزارة أو الإدارة العامة أو المؤسسة والهيئة وغيرها)، فزاد بذلك من قدرة السلطة على الصرف ووسع صلاحياتها بدل الحد منها. وعلى عكس إدارة المناقصات، لا تملك هيئة الشراء العام صلاحية إلغاء المناقصة المخالفة للقانون، بل يتوجب عليها اللجوء إلى القضاء وإثبات التلكؤ بالأدلة والإرشادات أولا.

2 – عدم ضبط تكلفة المشاريع العامة. لا يفرض القانون الجديد إلزامية وضع تكلفة تقديرية للمشاريع العامة المزمع تنفيذها إذا لم تكن لدى الجهة الشارية الإمكانيات اللازمة لذلك. ويسمح تحديد هذه الكلفة بتفادي إنفاق أضعاف الكلفة الحقيقية على مشاريع عامة، مثل استئجار بواخر الكهرباء أو مشاريع الطاقة المتجددة التي كلفت الخزينة ضعف المتعارف عليه في منطقة الشرق الأوسط. وكانت إدارة المناقصات قد أوصت منذ العام 2012 بتقديم دراسة جدوى أو كلفة تقديرية للمشاريع لمنع الوقوع في فخ السعر الأدنى، أي اتفاق العارضين فيما بينهم على أسعار يكون أدناها أعلى من المتعارف عليه. إلا أن هذه التوصيات لم تُنَفَّذ كما ينبغي، بل طبقت بشكل استنسابي واستُعمِلت إلى جانب التأهيل المسبق لتفضيل عارض على آخر على أساس المحسوبيات.

3- خسارة هيئة الشراء العام استقلاليتها. ينصّ القانون الجديد على تعيين الحكومة رئيساً وأعضاء لهيئة الشراء العام التي ستراقب عمل الحكومة، في تضارب فاضح للمصالح. ويخضع تعيين أعضاء الهيئة لمبدأ المحاصصة المتعارف عليه بين القوى السياسية فلا يتمّ اختيار أصحاب العلامات الأعلى، بل الأشخاص المدعومين سياسيا والذين ينفذون الأوامر دون أي اعتراض. ويحوّل القانون الجديد مدير عام إدارة المناقصات إلى رئيس مؤقّت لهيئة الشراء العام ويضعه تحت تصرّف الحكومة، ما يُفقده حصانته موظفًا من الفئة الأولى ويجعله خاضعًا للحكومة التي بإمكانها إقالته في أي وقت ويضعف قدرته على الاعتراض على الصفقات المخالفة للقانون.

4– مبدأ السريّة. لم يحدد القانون حالات السرية بدقة، الأمر الذي سيدفع الإدارة إلى التذرع بالسرية لعدم نشر المعلومات بحجة أن معظم العقود تتعلق بالأمن القومي والاقتصادي، وهي مفاهيم تحتمل التأويل. ومن الضروري أن يتكتّم أعضاء الهيئة وموظفوها عن الأسرار التجارية، ولكن الوزراء قد يستخدمون مبدأ السريّة لفرض التكتّم على المخالفات وشبهات الفساد التي قد تمرّ تحت ناظريهم.

التوصيات:

  1. السعي لتطبيق قانون الشراء العام الجديد من خلال توفير الإمكانات المادية والتقنية والبشرية اللازمة لهيئة الشراء العام.
  2. ضمان استقلالية الهيئات التي أَنشأها القانون، أي هيئة الاعتراضات وهيئة الشراء العام، من خلال تعيين الأعضاء بحسب الآلية الموضوعة في القانون (رغم التحفظ عليها) على أن تتقيد السلطة التنفيذية بتسلسل مراتب النجاح.
  3. تثبيت رئيس هيئة الشراء العام في موقعه.
  4. الضغط على الحكومة لإجراء الاتصالات اللازمة والقيام بكل الإجراءات القانونية لإعادة العمل ببرنامج الاتحاد الأوروبي مرافق المساعدة التقنية (Technical Assistance Facilities) لصالح الإدارة اللبنانية، باعتبار أن هذا المشروع يؤمن خبرة مستقلة ومحايدة للإدارة اللبنانية.
  5. تأمين التمويل اللازم والدعم التقني من الجهات الأوروبية لإطلاق المنصة الإلكترونية لهيئة الشراء العام.
  6. نشر أسماء أصحاب الحقوق الاقتصادية (beneficial owners) في سجل الشراء ضمن النصوص القانونية الموجودة في قانون الشراء العام بما يخص التزامات العارض الضريبية.
  7. تزويد إدارة المناقصات بالتقارير السنوية للوزارات.
  8. الإصرار على وضع كلفة تقديرية للمشاريع والتشدد في الرقابة على صوابية هذه التكلفة ورفض الاستثناءات.
  9. مراقبة الاستثناءات وإجازة منحها من قبل هيئة الشراء العام.
  10. تحديد المعلومات التي تخضع للسرية بناء على الممارسات الدولية.

أضغط هنا لتحميل الملف