ترخي حالة الاستعصاء والمواجهة المحتدمة بين المصارف وبعض القضاء، ثقلها على سعر الدولار في السوق الموازية. ويبدو أن الوضع إلى مزيد من التأزُّم خصوصاً بعدما طارت جهود رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لإيجاد حلّ للمسألة. على الرغم من أن ميقاتي يسعى لحلٍّ شامل لمجمل الوضع المالي، يبدأ من معالجة الإشكالية المستعصية للملف القضائي الخاص بالمصارف والدعاوى في لبنان.
في المقابل، أكدت جمعية المصارف على استمرار إضرابها المفتوح، وأن مشاوراتها مستمرة لبحث كيفية التعاطي مع التعسُّف القضائي الذي تتعرَّض له، من وجهة نظرها، وقرارات القاضية غادة عون وتأثيراتها الخطرة على مجمل القطاع المصرفي. وكل ذلك، لا يبشِّر بحلول قريبة تحدّ من القفزات المتسارعة لسعر الدولار، ولو بشكل مؤقت. علماً أن الإجراءات السابقة بملاحقة بعض الصرّافين والمضاربين، أمنياً وقضائياً، لم تؤتِ بنتائج ملموسة ولم تنجح بلجم الدولار.
ويؤكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، أن “قمع الصرافين يكبِّر حجم الأزمة ولا يصغِّرها، لكونهم بمثابة مرآة تعكس حقيقة السوق، المتمثِّلة بأن وضع الليرة اللبنانية اليوم متدهور ولا ثقة بها والناس تهرب منها”.
ويلفت، إلى أنه “مع التأكيد على ضرورة ضبط الأسواق ومنع التفلُّت، لكن الصرّافين يؤمِّنون عملياً نسبة من السيولة بالدولار للأسواق، وحين يتمّ اعتقالهم تخفّ السيولة تلقائياً، ونكون بذلك نفاقم المشكلة بدل تصغيرها”.
وبنوِّه مارديني، إلى أنه “يمكن للسلطات المعنية أن تختبئ خلف إصبعها وتقول، الحق على الصرّافين، لكن في الحقيقة، لبنان يعيش أزمة كبيرة جداً. فهناك إصلاحات لم نقم بها، وتقاعس السلطة عن القيام بها يعمِّق الأزمة”.
وعن القفزات والتقلُّبات في سعر الدولار، يقول الخبير الاقتصادي ذاته، “صحيح أن التقلّبات الآنية الحاصلة في سعر الصرف يمكن أن يكون للصرافين والمضاربين تأثير فيها، لكن هامش التأثير لا يتعدَّى 10 أو 15%، صعوداً ونزولاً. لكن الحقيقة والاتجاه العام الذي رفع الدولار من 1.500 ليرة إلى ما فوق الـ80.000 ليرة، ليس الصرافين، بل سوء الإدارة في البلد”.
ويضيف، “الحقيقة أن لدينا موازنة عامة من دون إصلاحات، ونُضطَّر إلى طبع الليرة لتمويلها لأن الدولة اللبنانية لم تقم بالإصلاحات المالية المطلوبة، ولم تحصل إعادة التوازن للقطاع المالي. بالتالي المصرف المركزي مضطَّر لمدّ الدولة اللبنانية والمصارف بالسيولة لتمرير المرحلة، وهذه السيولة تتحوَّل إلى طلب على الدولار لفقدان الثقة بالليرة”.
ويؤكد مارديني، أن “الدعاوى المتلاحقة بحق المصارف تخفِّف الثقة بالقطاع المالي بشكل عام وبالليرة بشكل خاص. لذلك، فإن لإضراب المصارف تداعيات مؤثِّرة جداً. فإذا كان أحد لا يزال يحمل الليرة ومستعد للاحتفاظ بها، سيهرول اليوم لبيعها والتخلُّص منها عبر طلب الدولار، لأنه لا يعلم ماذا سيحصل غداً. مع الإشارة إلى أن إضراب المصارف يحرم السوق أيضاً من نسبة إضافية من الدولار كانت تؤمِّنها”.
ويضيف، “لذلك، كل هذه الدعاوى وهذا الجو والإشاعات على القطاع المصرفي، واستمرار هذا الأمر، لا بل الذهاب إلى تصعيد الدعاوى أكثر، يفاقم الأزمة. بالإضافة إلى تقاعس الحكومة عن اتخاذ الخيارات الإصلاحية الأساسية، إي إعادة التوازن المالي، لنحلّ بذلك المشكلة الأساسية للمصارف والمودعين على حدٍّ سواء. وطالما لا يحصل ذلك، سنتابع في مسار الانهيار وارتفاع الدولار”.