منذ الأول من كانون الأول الحالي دخل قرار رفع سعر الدولار الجمركي، من السعر الرسمي الذي لا يزال معتمداً حتى الآن على 1.500 ليرة، إلى 15.000 ليرة، حيِّز التنفيذ. هذا على الرغم من الضياع الحاصل، حتى الآن، والبلبلة التي ترافق بدء التطبيق، في ظل عدم وجود لوائح رسمية نهائية حول البضائع والسلع المعفاة.
وعلى الرغم من التحذيرات الرسمية للتجار والمستوردين بعدم استغلال الأمر لرفع أسعار السلع، تبعاً لأن المواد المستوردة التي تُطرح في الأسواق في الوقت الحاضر قد تمَّ إنجاز عقودها على دولار الـ1.500 ليرة، وأنها ستتشدَّد في مراقبة الأسواق ومعاقبة المخالفين وصولاً إلى إقفال مؤسسات تجارية بالشمع الأحمر، غير أن كل هذه التطمينات لا تُطمئن المواطنين.
فالمواطن لُدغ من جحر السلطة وتقصيرها مرّات ومرّات على مدى السنوات الماضية، ويجد نفسه في نهاية المطاف متروكاً لوحده في مواجهة جشع بعض التجار. خصوصاً أنه حتى الساعة، يبقى الكلام عن أن السلع الغذائية والمواد الأولية المستعملة في التصنيع المستوردة، معفاة من الضرائب الجمركية وبالتالي لن يتأثَّر المواطن برفع سعر الدولار الجمركي، محلَّ تشكيك، وسط عدم تحديد تلك المواد رسمياً بشكل واضح، لمقارنتها مع حجم السلة الغذائية الفعلية وكلفة الانتاج.
وفي حين تهرب الدولة، كما دائماً، إلى أسهل الطرق لرفد الخزينة بالأموال، من خلال رفع الضرائب والرسوم على المواطنين عامةً وإلقاء الأعباء على عاتقهم بالجملة، من دون التمييز بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن قرار رفع سعر الدولار الجمركي ليس الحلّ لتحقيق الملاءة في خزينة الدولة، بل ربما تكون له انعكاسات معاكسة تماماً تزيد من حدّة الأزمة وارتداداتها، على الاقتصاد عامةً وعلى الحالة المعيشية للمواطنين خاصةً.
ويؤكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، أن “الهدف من رفع سعر الدولار الجمركي، هو توحيد أسعار الصرف الرسمية على سعر منصة صيرفة، البالغ اليوم نحو 30.000 ليرة. وبالتالي سعر الـ15.000 ل.ل. للدولار الجمركي الذي دخل حيّز التنفيذ اليوم، هو نصف الطريق”.
ويلفت، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “المتوقَّع، ارتفاع هذا الرقم في الموازنات العامة المقبلة، ربما في موازنة العام 2023 أو العام 2024. لكن الأكيد أنه في هذه الموازنات سيكون هناك إعادة رفع للدولار الجمركي من جديد، ليقترب أكثر فأكثر إلى سعر منصة صيرفة”.
ويشدِّد مارديني، على أن “الأهم من تأثير رفع الدولار الجمركي على السلع الفردية، هو تأثيره على مجمل القطاعات. ففي أيّ بلد يمرّ بركود اقتصادي كبير، ما تقوم به الحكومات عادةً هو خفض الضرائب والرسوم والتعرفات الجمركية، من أجل السماح للبلد بالنهوض والانطلاق مجدداً”.
ويضيف، “ذلك يسمح بعودة الانتعاش الاقتصادي، والشركات التي تقفل أبوابها تتوقف عن ذلك، وتُقلع من جديد وتقوم بالتوظيف وتحريك العجلة الاقتصادية”، منوِّهاً إلى أن “هذا ما يجب أن يحصل، عن طريق خفض الأعباء الضريبية على الناس”.
ويوضح، أن “جزءاً من هذا التخفيض يحصل أوتوماتيكياً. فعند انهيار سعر الصرف، الضرائب والرسوم التي كنا ندفعها على العمليات المقوَّمة بالدولار، تنزل أوتوماتيكياً وتخفّ وطأتها على الناس، ما يؤدي إلى إعادة إنعاش الحركة الاقتصادية”.
بالتالي، يؤكد مارديني، أنه “إذا قمنا بالتصدِّي لهذه التعديلات الأوتوماتيكية ومسألة تخفيف الأعباء على الناس ومنعها من الحصول، أي إعادة نسب الرسوم والضرائب إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، اليوم على دولار الـ15.000 ليرة، وغداً على سعر صيرفة، وبعد غدٍ ربما ستتوحَّد كل أسعار الصرف الباقية، نكون بذلك نمنع الاقتصاد اللبناني من إعادة الانطلاق بعد الركود القائم”.
ويلفت، إلى أن “الركود لا يزال مستمراً، والانكماش في العام 2022 تخطَّى ربما الـ5%. فكيف نواصل زيادة الضرائب والرسوم على اقتصاد هو أساساً في حالة هبوط؟ لذلك يجب إعادة النظر بكل النظام الضريبي والجمركي. وبدل القيام بزيادات ضريبية، لنبحث في كيفية إيجاد نظام ضريبي وجمركي جديد يمنع التهرُّب الجمركيّ”.
ويضيف، “يكفي تدفيع الضرائب والرسوم والجمارك لـ(الأوادم) الذين يصرِّحون عن عملياتهم التجارية بشكل شفّاف، فيما نقوم بمكافأة من يتهرَّبون جمركياً وضريبياً عن طريق معاقبة الناس الذين يدفعون أكثر فأكثر”.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع القوات اللبنانية