الكهرباء من الطاقة الشمسية… مبادرات فردية وأخطار بيئية

الكهرباء من الطاقة الشمسية… مبادرات فردية وأخطار بيئية

كارين عبد النور

هناك في بلدة تولا الزغرتاوية، شباب يتحدّون العتمة وغلاء أسعار المحروقات. ومشروعهم توليد الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية وبمعايير عالمية لإنارة البيوت وتقليص فواتير الكهرباء. فكما دائماً وأبداً في بلد تندر فيه الخطط والرؤى المستقبلية، يبقى الاتكال على الأفكار والمبادرات الفردية. المشروع لافت بحدّ ذاته. لكنه يعود ويفتح الباب مجدّداً أمام كثير من التساؤلات: من يحمي المواطنين من خطر التركيب العشوائي لألواح الطاقة الشمسية، ومن يعوّض التشويه البيئي والجمالي المتفلّت، وأين نحن من احترام دراسات الأثر البيئي أصلاً؟

فكرة وليدة الأزمة

لمزيد من التفاصيل، تواصلت “الصفا نيوز” مع المشرف على المشروع، المهندس إيلي جريج، الذي أشار إلى أن الفكرة تبلورت نهاية العام 2019 مع بدء أزمة المازوت المدعوم. “كانت شبكة المولدات في تولا تابعة للبلدية وتؤمّن تغطية يومية من 5 إلى 6 ساعات فقط. وهناك كانت نقطة الانطلاق، بالنسبة لنا كمجموعة مهندسين من البلدة، بالتخطيط للمشروع ودراسة تكلفته”، كما يخبرنا. وبما أن البلدية تتبع للقائمقامية والمسؤول عن المشاريع فيها هو الوقف، تمّ اللجوء إلى لجنة الوقف (وجريج عضو فيها) لتقدمة الأرض ورعاية المشروع.

حملة التبرعات كما التخطيط، بدآ مطلع العام 2020، حيث كان ثمة مساهمات لجمعيتين خارج لبنان تابعتين للكنيسة إضافة إلى مساهمات أخرى فردية. ورغم الأزمة المصرفية وصعوبة إجراء التحويلات من الخارج، إلّا أن المبلغ المحصّل بلغ حوالى 106 آلاف دولار أميركي. وهكذا باشر فريق العمل بمرحلة التنفيذ في ربيع العام 2022، لتأتي الانطلاقة في آب الماضي حيث تمّ شبك الطاقة الشمسية بشبكة المولدات.

توفير وتطوير

إنجاح المشروع لم يكن بالمهمّة السهلة، كما يقول جريج. فإضافة إلى جمع التبرعات، ظهرت عراقيل التعاطي مع مؤسسات الدولة، وأبرزها الحصول على رخصة من وزارة الطاقة والمياه، التي تطلّبت وقتاً وجهداً، ومحاولات القوى الأمنية المستمرّة إيقاف العمل في الورشة. لكن رغم ذلك، أبصر المشروع النور بنجاح مؤمّناً تغطية لما لا يقلّ عن 170 بيت في البلدة، لفترة 18 ساعة يومياً، مع توفير حوالي 40% من الفاتورة الشهرية مقارنة مع تسعيرة الدولة الرسمية.

ويضيف جريج: “شبكنا الطاقة الشمسية بالمولّد لأننا لم نلجأ إلى البطاريات في البداية نظراً لتكلفتها العالية، وبذلك تمكنّا من تخفيض استهلاك المولّد إلى 60% ليؤمَّن الباقي بواسطة الطاقة الشمسية”. أما الفاتورة، فتُحتسب شهرياً على أساس استهلاك المازوت، مضافاً إليها مصاريف الجباية والصيانة. المشروع الذي وصلت تكلفته إلى 120 ألف دولار والمحمي بنظام مضاد للصواعق يتحضّر لمرحلته الثانية – مرحلة إضافة البطاريات وتركيب نظام متطوّر لتوليد الطاقة بواسطة الهواء خلال فصل الشتاء. كما هناك توجّه لبيع فائض الطاقة المنتجة لمؤسسة كهرباء لبنان.

الرقابة غائبة

مشروع تولا يصلح لأن يُعمَّم على صعيد الوطن. لكن ما يحصل بالمقابل من تركيب عشوائي في بعض المناطق وعدم الالتزام بمعايير السلامة العامة وعمل الشركات غير المصنّفة، ينذر بالأسوأ. فهل من يراقب ويشرف على التنفيذ، وهل من يدقّق في نوعية البضاعة المستورَدة من الخارج، وماذا عن الالتزام بمعايير الاستيراد الملائمة؟ جميعها أسئلة برسم المسؤولين.

في هذا السياق، رأى وزير البيئة السابق، فادي جريصاتي، في حديث لـ”الصفا نيوز” أن عدم الاستفادة من أشعة الشمس التي تُشرق على لبنان خلال 300 يوم في السنة هو جريمة بحدّ ذاته. “لكن شرط أن يترافق ذلك مع احترام معايير السلامة العامة والبيئة، تفادياً للحوادث التي يمكن أن تنتج عن التركيب الخاطىء للألواح من حيث الهياكل الحديدية العالية وغير المثبّتة بصورة صحيحة”، كما يشير. أما البطاريات، فحذّر جريصاتي من أن يتحوّل عنصر الليثيوم الذي تحتويه إلى قنابل موقوتة في حال تمّ وضعها على مقربة من خزانات المازوت وفي غرف الـ”شوديار”. فهل من يتقيّد؟

خطر على البيئة

بحسب رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة، بيار خوري، شرعت وزارة الطاقة والمياه بالعمل على مشروع الطاقة الشمسية منذ العام 2010. “بدأنا بصفر طاقة شمسية في ذلك العام ووصلنا إلى قدرة 100 ميغاوات في العام 2020 لترتفع الكمية المنتجة مع نهاية العام 2022 إلى حوالى 700 ميغاوات”. لكن بالرغم من تركيب ما يزيد عن 150 نظام يومياً، غير أن المشاريع التطويرية على صعيد الوطن محكومة بالتمويل، المحكوم بدوره بالاتفاقية مع صندوق النقد الدولي. أما الاتفاقية، فمحكومة هي الأخرى بشروط سياسية أعجز من أن تتحقق.

المشاريع تنتظر والاتفاقيات مكبّلة. وفي الأثناء، تبقى الكلفة البيئية هي الأهم رغم أن ألواح الطاقة الشمسية تبقى “أرحم” من انبعاثات مولّدات الكهرباء مهما بلغت الأضرار البيئية الناجمة عنها. المشكلة الأخطر، كما يراها جريصاتي، هي في كيفية التخلّص من الألواح والبطاريات حين تصبح غير صالحة للاستعمال لئلا نصبح عرضة لمشكلة بيئية أشدّ خطراً في حال رميها في المطامر. وفي فورة التركيب التي شهدتها ولاية كاليفورنيا الأميركية منذ سنوات، حيث شكّل التخلّص من المعدات ذات الصلة أزمة حقيقية في حينه، مثال يضربه جريصاتي للتنبيه من التداعيات. من هنا، طالب وزارة البيئة بإيجاد سياسة واضحة المعالم لغرض تنظيم عملية تلف وإعادة تدوير الألواح والبطاريات بعد انتهاء صلاحيتها تجنّباً لأزمة مماثلة. خوري، من جهته، أضاء على التعاون الحاصل حالياً، لناحية تلف وإعادة تدوير الألواح والبطاريات، مع وزارة البيئة والأمن الطاقوي الإيطالية لوضع خطة عمل تنفيذية يؤمل أن تولد قريباً.

موسم الاصطياف في تولا سيكون مزدهراً هذا العام بحسب توقعات القيّمين على المشروع. ففاتورة الكهرباء المخفّضة من شأنها أن تستقطب المصطافين. لكن المطالبة بتعميم المشروع على صعيد الوطن تبقى محفوفة بمحاذير ليس أقلّها – إضافة إلى ما سبق – ظاهرة الرصاص الطائش، مثلاً، التي لا تميّز بين أرواح وألواح.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الصفا