“الشورى” ينتصر للمودعين ويقبل مراجعة المصارف إقرار إلغاء التزامات المركزي

“الشورى” ينتصر للمودعين ويقبل مراجعة المصارف إقرار إلغاء التزامات المركزي

في أيار 2022، أقر مجلس الوزراء خطة الحكومة للتعافي الـمـالـي والاقتصادي، وضمنـهـا وثيقة بعنوان “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي” قضت في البند الثالث منها بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية لخفض العجز في رأس مال المصرف المركزي، إذا اتفق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل الديون. يومها عارضت جمعية المصارف القرار المشكوّ منه قبل صدوره ونبّهت إلى نتائجه الخطيرة بعد إقراره، بموجب بيانات أصدرتها في حينه. ولكن بعدما استنفدت الجمعية كل الوسائل، حوارية كانت أو “تصعيدية” لتصويب ما اقترفته أيدي الحكومة من ظلم واستيلاء على أموال المودعين لديها، قررت في 28/6/2022 اللجوء الى مجلس شورى الدولة لإنصافها وإنقاذ مودعيها من دولة يُفترض أن تكون حريصة على مصالحهم بدل أن تستولي خلافاً للقانون على جنى أعمارهم.

في المراجعة التي قدّمها محامي الجمعية أكرم عازوري، طعناً في قرار مجلس الوزراء الذي وافق مضمون استراتيجية النهوض بالقطاع المالي، اعتبر أن “المصارف اللبنانية أودعت أموال المودعين لدى مصرف لبنان وهو السلطة الناظمة للقطاع المصرفي، ومصرف الدولة المكان الأكثر أماناً في لبنان لإيداع أموال المودعين فيه. وقد بلغ مجموع ودائع المودعين لدى المصارف والمودعة لدى مصرف لبنان 70 مليار دولار، ثم بعد أن وقعت الأزمة الراهنة في عام 2020 وبعد أن منع على المودعين سحب ودائعهم بالعملات الأجنبية، اتضح أن الدولة كانت قد قامت على مدى 11 عاماً، ما بين عام 2010 وعام 2021، باستدانة ودائع المودعين التي أودعتها المصارف في مصرف لبنان وإنفاقها، هذا في مرحلة أولى. ثم في مرحلة ثانية قررت بتاريخ 20 أيار 2022 بمفعول رجعي، الاستيلاء على أموال المودعين ومصادرتها، وجعلتهم يحلون محلّ الدولة في دفع الخسائر وذلك عبر تحويل المبالغ التي استدانتها الدولة وأنفقتها من ودائع المودعين من دين إلى ملكية نهائية، ما حمل جمعية مصارف وفقاً لموضوعها وأهدافها وواجبها على الطعن بهذا القرار دفاعاً عن استثمار القطاع المصرفي”.
وبناءً على تلك المراجعة، قرر مجلس شورى الدولة قبل يومين قبول المراجعة شكلاً، معتبراً أنه المرجع الصالح لمراقبة خطوات الحكومة في كل قرار تتخذه الحكومة بإعفاء نفسها من رد ودائع الناس.
وحسب قرار مجلس شورى الدولة، يقتضي قبول المراجعة شكلاً لكون القرار موضوع الطعن قراراً إدارياً نافذاً وضاراً بمنطوق المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة، ذلك أن مجلس الوزراء قرر الموافقة على مضمون استراتيجية النهوض بالقطاع المالي التي شكلت جزءاً من قرار المجلس، وقد صدر هذا القرار في 2022/5/20 بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتملّكها ما بين 2010 و2021 دون الإعلان عن ذلك في حينه.
وبناءً على ذلك، فإن القرار المشكو منه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بل هو قرار استلحاقي a posteriori أتى للإعلان بمفعول رجعي أن تملك الودائع الذي نفّذته الدولة اللبنانية وانتهت من تنفيذه دون أن تسمّيه في حينه كذلك، أصبح بموجب القرار تملكاً نهائياً. وتالياً، فإن القرار المذكور نافذ فوراً ويعفي مصرف لبنان من التزاماته تجاه المصارف اللبنانية، ويعفي الدولة من موجب دفع المبالغ التي استدانتها من مصرف لبنان. وإن اجتهاد مجلس شورى الدولة في فرنسا أصبح في حالته الأخيرة يعتبر أيّ قرار يضع قاعدة تخالف النظام القانوني للقرارات الإدارية قراراً قابلاً للطعن، مهما كانت تسميته، لكون جمعية المصارف لا تطعن إطلاقاً في خطة التعافي التي أقرتها الحكومة بل هي دعمتها بموجب بيانها تاريخ 2022/5/22، وهي تعترض على بند منفصل منها يؤدّي إقراره إلى مخالفة القواعد الدستورية والقانونية.
أهمية القرار وفق ما يقول عازوري لـ”النهار”، أنه أثبت أن السلطة القضائية هي فعلاً سلطة مستقلة وأنها الحامية التاريخية للملكية الخاصة، وتالياً لا يحق للسلطة التنفيذية بحجة “خطة نهوض”، وإن كانت جمعية المصارف تدعمها، أن تضمّنها بنداً منفصلاً يتعلق بمصادرة الودائع.
والاهم برأيه أن القرار يشكل سابقة، فإذا أظهر المجلس الدستوري الاستقلال عينه الذي أظهره مجلس الشورى، فإنه يمكن أن يبطل أي قانون يمكن أن يصدر عن مجلس النواب يعفي الدولة من ردّ ما استلفته من ودائع. فقرار مجلس الشورى ملزم للسطة التنفيذية وليس لمجلس النواب.
أهمية القرار أيضاً وفق عازوري أن “القضاء الإداري اعتبر أن السلطة التنفيذية ليس لها الحق بحجة عمل حكومي (خطة النهوض) أن تمسّ بالملكية الخاصة، وأن تعفي الدولة نفسها من موجب ردّ ما استلفته من مصرف لبنان خلافاً للقانون بما يشكل مصادرة مخالفة للدستور والنظام اللبناني”.
وإذ أكد أن “جمعية المصارف تؤيد أي خطة حكومية خصوصاً إن كانت لمصلحة القطاع المصرفي والمالي عموماً والمودعين خصوصاً”، أوضح أن الجمعية “تدرك أن الدولة غير قادرة على رد الودائع التي استلفتها خلافاً للقانون، ولكن لا يمكنها أن توافق على السياسة التي تتبعها بالاستيلاء النهائي على الودائع. فالدولة عليها ديون يجب أن تردّها، وهذه ركيزة النظام الاقتصادي اللبناني الذي يحترم الملكلية الخاصة توازياً مع استقلالية القضاء الذي يمنع السلطة التنفيذية من الاستيلاء على ودائع الناس. وانطلاقاً من هذا المفهوم، ليس مستغرباً أن يثق المودعون بالنظام المالي والمصرفي الذي استقطب ودائع تفوق تلك الموجودة في بلاد عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة. فالمصارف ليست ملك المساهمين بل هي ملك المودعين، ودعوى الجمعية هي للمحافظة على ملكية المودعين بودائعهم ومنع السلطة التنفيذية من إعفاء نفسها من موجب ردّ ما استلفته خلافاً للقانون ومصادرته خلافاً للقانون”.
واعتبر مجلس الشورى، أن “موضوع الطعن يتعلق حصراً بقرار منفصل عن العمل الحكومي، وعن الاتفاق الدولي، وهو قرار الدولة بإعفاء نفسها من موجب رد الودائع الخاصة التي استلفتها من مصرف لبنان، وتحميل فئة من الناس (المودعين لدى المصارف الخاصة) أعباء الدولة اللبنانية”. وأكّد المجلس أن المستدعية صاحبة صفة ومصلحة مباشرة ومشروعة في الطعن بالقرار المشكو منه تطبيقاً للمادة 106 من نظام مجلس شورى الدولة، إذ إن موضوع الجمعية يتضمّن “إبداء الرأي في المشاريع 2022/25005-ف. والقوانين المتعلقة بالشؤون المالية والمصرفية وتمثيل المهنة والدفاع الجماعي عن مصالح القطاع المصرفي. كما أن القرار المشكو منه هو فعلياً مصادرة نافذة لودائع المودعين لدى المصارف اللبنانية بمفعول رجعي، وهو يؤدي عملياً إلى إلغاء القطاع المصرفي اللبناني، ويخلق نزاعاً بين المصارف والمودعين بشكل يخالف قواعد المسؤوليّة، فتكون تالياً جمعية المصارف في لبنان التي تمثل المصلحة الجماعيّة لجميع المصارف متضرّرة من هذا القرار”.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار