ماذا لو أصرّ وزير المال على عدم تسليم تقرير “ألفاريز”؟ التيني لـ”النهار”: قرار “الشورى” مُلزِم ولكن تنفيذه متعثّر

ماذا لو أصرّ وزير المال على عدم تسليم تقرير “ألفاريز”؟ التيني لـ”النهار”: قرار “الشورى” مُلزِم ولكن تنفيذه متعثّر
هل سيضطر وزير المال يوسف الخليل الى تسليم التقرير المبدئي المتعلق بالتدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان المعدّ من قبل شركة “ألفاريز أند مارسال” بعد قراري مجلس شورى الدولة اللذين يلزمانه الكشف عن التقرير “بصورة فورية ودون إبطاء”؟. وماذا لو أصر على عدم تسليم التقرير، هل يمكن اتخاذ تدابير إكراهية لتنفيذ القرار قسراً؟
في غضون أسبوع واحد أصدر مجلس شورى الدولة قرارين ألزم فيهما وزير المال يوسف الخليل الإفراج عن تقرير شركة “ألفاريز أند مارسال”، وذلك بصورة فورية ودون إبطاء. القرار الأول جاء بعد تلقي المجلس شكوى من “ائتلاف محاسبة الجرائم المالية” ضد وزارة المال ورفض تسليمها التقرير الذي كانت قد أرسلت بكتاب للوزير الخليل في شباط الماضي طالبته فيه بالكشف عن التقرير، لكن من دون جدوى. القرار الثاني جاء بعد المراجعة التي تقدّم بها النائب سامي الجميّل لإلزام وزير المال تسليمه التقرير المبدئي للتدقيق الجنائي الذي أنجزته “ألفاريز أند مارسال”.
وزير المال يوسف الخليل يرفض حتى الآن الكشف عن مضمون تقرير التدقيق الجنائي رغم المطالبات المتواصلة من جمعيات المجتمع المدني، وعدد من المحامين والنواب، معللاً رفضه بأن الكشف عن التقرير يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء، وكذلك استند الى الاستثناءات الموجودة في قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، خصوصاً أن مضمون التقرير يمسّ “الأمن القومي المالي”.
مجلس الشورى استند إلى حيثيات قانونية يلخصها اللجوء إلى المادة 5 من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، وعدم جواز تفسير الحظر عن الكشف عن المعلومات “بصورة ضيّقة”، وتالياً “لا يجب ترك الإدارة تحت ستار التفسير الواسع والاستنساب في رفض طلبات الحق في الوصول إلى المعلومات بحجة الاستثناءات”.
واعتبر المجلس أن “من واجب الدولة اللبنانية أصلاً، من تلقاء نفسها، إعلام المواطنين عن المراحل التي وصل إليها تقرير التدقيق الجنائي، خصوصاً بعد انتهاء كل المهل الملحوظة بالعقد (مع ألفاريز أند مارسال)، أو أقله إعلامهم بالمعوقات التي تحول دون إنجازه، وهذا حق لهم، خصوصاً أن من المفترض أن يؤدي هذا التدقيق إلى كشف الأسباب الواقعية والقانونية والمستترة التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي اللبناني”.
ولكن ماذا بعد قرار مجلس شورى الدولة؟ أو ماذا عن قابلية قراره للتنفيذ؟ تؤكد المحامية الدكتورة جوديت التيني أنه “يمكن الطعن بقرار مجلس شورى الدولة، وتالياً هو ليس مبرماً لغاية اليوم”.
ولكن في المقابل تقول التيني إن “القرار الصادر عن مجلس شورى ملزم لوزارة المال وعليها أن تتقيّد به وبالحالات القانونية كما وصفها هذا القرار، وعلى الوزارة أن تنفذ القرار المبرم في مهلة معقولة تحت طائلة المسؤولية”.
توازياً، وعملاً بالمبدأ الساري في القانون الإداري فإنه “لا يجوز التنفيذ جبراً على الدولة” أي إنه لا يجوز اتخاذ تدابير إكراهية بحق الوزارة أو الوزير لحمله على تنفيذ القرار القضائي قسراً. فيكون أقصى ما يمكن عمله لحمل الوزير على التنفيذ، هو أنه في حال تمنّعه أو تأخره عن ذلك، من دون سبب مشروع، يمكن بناءً على طلب المستدعي الحكم بدفع غرامة إكراهية تبقى سارية لغاية تنفيذ القرار، وهذا يتطلب مراجعة قضائية مستقلة”.
ماذا عن المسار القانوني لطلب الحق في الوصول الى المعلومات؟ وفق التيني فإن قانون الحق بالوصول الى المعلومات رقم 28 تاريخ 10/2/2017 والمعدل بالقانون رقم 233 تاريخ 16/7/2021، وهو قانون مهم جداً لتطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة، يسمح لكل شخص طبيعي أو معنوي، مهما كانت صفته ومصلحته، بالوصول الى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها وفقاً لأحكام هذا القانون ودون الحاجة لتبيان أسباب الطلب أو وجهة استعماله.
وتنص المادة 19 من هذا القانون على أنه إذا رفضت الإدارة أو الوزارة الوصول الى الـمعلومات، يعود لصاحب العلاقة، مراجعة القاضي الـمنفرد الناظر في قضايا الأمور الـمستعجلة الـمختص لدى أي من القضاءين الإداري أو العدلي، إضافة الى مراجعة الهيئة الإدارية الـمستقلة الـمحدّدة في قانون إنشاء الهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد. بيد أن القاضي الإداري تخطى في تعليله إلزامية مراجعة هذه الهيئة في الوقت الراهن، ما يعني أن قرار رفض وزارة المال تسليم المستدعي المعلومات المتوافرة لديها وأيّ مستند مفيد يتعلق بمراحل تنفيذ عقد التدقيق الجنائي الموقع مع “ألفاريز أند مارشال”، وقرارها رفض تسليم المستدعي نسخة عن التقرير المبدئي المتعلق بالتدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان، قابل للطعن أمام قضاء الأمور المستعجلة في مجلس شورى الدولة ووفقاً لما تنص عليه المادة 66 من نظام مجلس شورى الدولة”.
ماذا عن طبيعة المستندات القابلة للاطلاع؟ توضح التيني أن “المادة 5 من قانون الحق بالوصول الى المعلومات تنص على المعلومات والمستندات التي لا يمكن الوصول إليها. مثلاً لا يمكن الإفصاح عن الـمعلومات الـمطلوبة إذا تناولت أسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، أو إذا كانت من الـمستندات التحضيرية والإعدادية والـمستندات الإدارية غير الـمنجزة. غير أن القاضي الإداري في قراره 17/7/2023 اعتبر أن الحظر المنصوص عليه في المادة 5 يجب أن يفسّر بصورة ضيقة وحصرية، وإلا فيترك المجال للاستنساب في رفض طلب الوصول الى المعلومات، وتالياً فإن المادة 5 لم تأتِ على ذكر “الأمن القومي المالي” بشكل صريح من عداد أسباب رفض الطلب وهذه عبارة جديدة ومفهوم جديد. وأكد القرار أن من واجب الدولة اللبنانية أصلاً ومن تلقاء نفسها إطلاع المواطنين على المراحل التي وصل إليها تقرير التدقيق الجنائي ولا سيما بعد انتهاء كل المهل الملحوظة في العقد أو أقله إعلامهم بالمعوقات التي تحول دون إنجازه، خصوصاً أن الغاية الأساسية من التدقيق هي لكشف الأسباب الواقعية والقانونية والمستترة التي أدّت الى الانهيار المالي للاقتصاد اللبناني. أما عن حجة أن المستندات المراد الاطلاع عليها هي من عداد الـمستندات التحضيرية والإعدادية والـمستندات الإدارية غير الـمنجزة، فكان رد القضاء بأن المعلومات المتوافرة لدى وزارة المال وأي مستند مفيد من شأنه إعلام الجهة المستدعية بما هو واقع الحال الراهن بالنسبة لمراحل تنفيذ عقد التدقيق الجنائي، يخرج عن مفهوم المسوّدة أو “المستندات التحضيرية والإعدادية والمستندات الإدارية غير المنجزة”.
حجج كثيرة تتوالى ويمكن تقديمها لحجب كل مستند عن الشعب اللبناني، وآخرها أن التقرير ملك وزارة المال أو مجلس الوزراء فيما العقد موقع باسم الجمهورية اللبنانية، وحجة الوزير أنه بحاجة لإذن من “ألفاريز أند مارسال” أو أن تسليم النسخ غير جائز في ظل غياب قرار مجلس الوزراء، وهذه حجج واهية برأي التيني خصوصاً أن الوزير لم يثبت صحّتها بسند قانوني.
يبقى أن وزير المال مسؤول سياسياً أمام البرلمان عن عدم الامتثال لهذا القرار، غير أن القواعد الدستورية لهذه المسؤولية غير قابلة للتطبيق في ظل الواقع اليوم والحكومة مستقيلة تصرّف الأعمال.