رغم تعدّد الأزمات وتشعّبها لا يزال مصرف لبنان يسجل نجاحا في استمراره بضبط السوق وإبقاء سعر صرف الدولار مستقرا مقابل سعر الليرة اللبنانية، وعلى رغم فداحة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان والتي أدّت الى ما أدّت من خسائر في القطاعات كافة، فقد استطاع المصرف المركزي، إبقاء السوق المالي مضبوطا رغم التوقعات السلبية التي رافقت الحرب على هذا الصعيد.
ولكن كان اللافت خلال الأيام الماضية ما تم إشاعته حول إمكانية خفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، بالتزامن أيضا مع معلومات حول إغراء بعض المصارف للمودعين عبر عرض فوائد مرتفعة على الودائع بالليرة اللبنانية.
وفي إطار الإضاءة على الأوضاع الاقتصادية والمالية، التقت «اللواء» الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل الذي قدّم شرحا حول كل ما يجري الصعيد المالي، فقال: «كما بات معلوما فان سعر الصرف كان لا يزال مستقرّا لغاية شهر أيلول الماضي أي حين توسّعت الحرب الإسرائيلية على لبنان، حيث بدأت الخشية من إمكانية اهتزاز سعر الصرف، ولكن عكس ما كان متوقعا فقد استمر سعر الدولار مستقرّا مقابل الليرة اللبنانية وهذا بطبيعة الحال يعتبر أمر إيجابي، ولكن المفاجئ انه وبعد إعلان وقف إطلاق النار بدأت بعض الأخبار تتحدث عن إمكانية تغيير في سعر الصرف، ولكن أؤكد ان ما يتم إطلاقه في هذا الصدد هو مجرد شائعات لا أكثر ولا أقل، لان مصرف لبنان بذل جهودا كبيرة منذ بداية العام 2023 لوقف تدهور سعر الصرف بالدرجة الأولى والمحافظة على الاستقرار المالي، وقد بات سعر الدولار مقابل الليرة هو 89.500، وهو السعر المتداول فيه ليس فقط في التعاملات التجارية بل في البيانات المالية وإيرادات الخزينة ومؤسسات الدولة، لذلك لا يمكن لمصرف لبنان اليوم تخفيض سعر الصرف بطريقة عشوائية».
واعتبر الدكتور غبريل بأن هدف مصرف لبنان هو الحفاظ على استقرار سعر الصرف رغم انه ليس بالضرورة هو السعر الحقيقي للدولار، مشيرا الى ان هناك عدة أمور تؤثر على سعر الصرف منها العرض والطلب، وذلك بناءً على الأوضاع الاقتصادية والاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال والاستهلاك، والاستيراد والتصدير والصناعة والإنتاج والثقة وغيرها من الأمور، لافتا الى ان ما يقوم به البنك المركزي لا يعني تثبيت للسعر كما كان يفعل في الماضي، بل الهدف هو كسب الوقت لبدء السلطتين التنفيذية والتشريعية بالقيام بالإصلاحات المطلوبة وهذا ما لم يحصل حتى الآن، على الرغم من خارطة الطريق التي أعطاها المصرف في تموز 2023 الى السلطتين لتنفيذها.
وأشار غبريل الى ان مصرف لبنان نجح في توحيد سعر الصرف وهو مطلب صندوق النقد الدولي، إضافة الى قيامه بالتدخّل بالسوق للحفاظ على السعر من خلال سحب السيولة بالليرة اللبنانية والمحافظة على الكتلة النقدية لكي يستطيع ضبطها، خصوصا ان هدفه ليس الاستقرار على المدى الطويل، بل أن يكون هناك وضوحا للقطاع الخاص ولتحسين إيرادات الدولة وللجم التضخم الذي استطاع تخفيضه من أكثر من 100% الى حدود 35% على نطاق سنوي، مما يؤكد انه لا مجال اليوم للنقاش بتخفيض سعر الصرف.
واعتبر الخبير المالي والاقتصادي ان الإصلاحات تسمح بتحرير سعر الصرف حسب العرض والطلب، كما ان هناك عوامل أخرى تقرر سعر الصرف ولكن ضمن مسار طويل في الخطوات الأخيرة لعملية إجراء الإصلاحات، مشدّدا على أهمية أن يكون هناك ثقة وإعادة لتدفق رؤوس الأموال وانتظام في العجلة الاقتصادية وبعمل المؤسسات، إضافة الى الاستقرار السياسي، مشدّدا على ان الثقة هي أمر أساسي.
وحول ما يُشاع عن رفع بعض المصارف الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية، يقول غبريل: «في الحقيقة هناك بعض المصارف بدأت بالفعل برفع الفوائد على الليرة مقابل تجميدها لفترات طويلة قد تصل الى السنة، حيث تخطّى معدل الفائدة 40%»، معتبرا ان وراء خطوة المصارف هذه حاجة الى السيولة بالليرة اللبنانية، باعتبار ان فوائد الاستدانة بين المصارف وصلت الى قرابة 140% ، مشيرا الى ان هذا الأمر مرتبط بسياسة مصرف لبنان بتجفيف السوق من الليرة اللبنانية وإبقاء كتلة نقدية محدودة وهي بحدود 50 ألف مليار ليرة هذا المبلغ موجود حاليا في السوق، لافتا الى ان بعض الشركات أيضا بحاجة لليرة لدفع ضرائبها وهو أمر بات صعبا الوصول إليه من قبل البعض، منذ ان بدأ مصرف لبنان باتباع سياسته لاستقرار سعر الصرف.
وحول ما إذا كان هناك ثقة لدى المودعين لوضع أموالهم بالمصارف بالليرة اللبنانية، رأى غبريل ان الأمر يعود أولا وأخيرا للمودع واتخاذه مثل هكذا قرار والذي يندرج في إطار المجازفة.
وختم غبريل باعتباره ان الأوضاع الاقتصادية والمالية تعتبر مقبولة نوعا ما مقارنة بتوقعات التي كانت سائدة في فترة ما قبل وقف إطلاق النار، مشيرا الى ان هناك حاجة لدى الناس للفرح ولتمضية الأعياد بطمأنينة وارتياح بعد أجواء الحرب التي عاشها البلد في الفترة الأخيرة.