تشهد الأسر اللبنانية ارتفاعاً حاداً في فواتير المياه لتصل إلى أكثر من 261 دولاراً سنوياً وفقاً لتقديرات منظمة اليونيسف، مما يفاقم الأعباء المالية على المواطنين في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة. تؤكد الدراسات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وجود مشكلة مائية شاملة تطال جميع فئات المقيمين في لبنان، حيث تتفاقم هذه الأزمة في ظل تراجع دور الدولة وعجزها عن أداء مسؤولياتها الأساسية.
تكشف البيانات الرسمية عن حقيقة صادمة، إذ يحصل أقل من ثلث السكان اللبنانيين على مياه الشرب من الشبكة العامة، بينما تضطر الغالبية العظمى للاعتماد على مصادر بديلة مكلفة لتلبية احتياجاتها المائية اليومية. يعكس هذا الواقع المرير حالة الانهيار التي تعيشها المؤسسات العامة وعدم قدرتها على توفير أبسط الخدمات الأساسية للمواطنين.
تروج السلطات الرسمية لمبررات غير دقيقة حول طبيعة الأزمة، حيث تعزو المشكلة إلى عوامل الجفاف وتداعيات التغير المناخي. غير أن التحليل العلمي للوضع يشير إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في سوء إدارة الموارد المائية المتاحة وليس في ندرتها أو عدم توفرها. تمتلك البلاد موارد مائية كافية لتغطية احتياجات الشرب والري والاستخدامات المنزلية، إلا أن الطرق المعتمدة في نقل وتوزيع هذه المياه تتسم بالتكلفة العالية وعدم الكفاءة.
تستخدم الأسر وسائل مكلفة للحصول على المياه، سواء من خلال حفر الآبار الارتوازية أو شراء المياه عبر الصهاريج، مما يرفع التكاليف بشكل كبير. تنبع هذه المشكلة من الإدارة غير الفعالة لقطاع المياه من قبل الجهات الرسمية، وتحديداً وزارة الطاقة والمياه التي تفتقر إلى الخبرة والكفاءة اللازمتين لإدارة هذا القطاع الحيوي.
يكمن الحل في نقل إدارة قطاع المياه من الجهات الحكومية غير الفعالة إلى البلديات المحلية التي تتمتع بقرب أكبر من المواطنين ومصلحة مباشرة في تحسين جودة الخدمات المقدمة. تشكل البلديات الخيار الأمثل كمرحلة أولى في عملية الإصلاح، حيث يمكنها تقييم احتياجات مناطقها بدقة أكبر وتحديد المتطلبات الفعلية للشبكات وأنظمة الضخ وآليات الجباية.
يتيح هذا النهج اللامركزي لكل منطقة إيجاد الحلول الأنسب لظروفها الجغرافية والاقتصادية الخاصة، مما يضمن إدارة أكثر فعالية وكفاءة للموارد المائية ويخفف من الأعباء المالية على المواطنين في المدى الطويل.