“الدولرة” تتحكم بلبنان… فهل تُطيح بعملته؟

“الدولرة” تتحكم بلبنان… فهل تُطيح بعملته؟

شكّل انهيار الليرة اللبنانية، التي فقدت منذ عام 2019 أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء، مادة دسمة لطرح مفهوم “الدولرة” في لبنان الذي بدأ يأخذ منحى تصاعدياً بسبب الأزمات التي خلقتها أزمة الليرة على أكثر من صعيد. في الاقتصاد، تُعرّف الدولرة بأنها استخدام لعملة أجنبية كعملة محلية رسمية بعد توقف الدولة عن إصدار عملتها الوطنية بعد فقدان كافة وظائفها واعتماد الدولار في عمليات البيع والشراء لمواجهة التضخم المفرط “Hyperinflation” الذي يؤدي غالباً إلى انهيار الاقتصاد. لبنان المثقل بآثار الركود والفقر وانعدام القدرة الشرائية يعيش اليوم حالة من الفلتان المالي والنقدي، فهل يتجه إلى الدولرة الشاملة ويستغني عن عملته الوطنية وهل الوقت مناسب اليوم؟ ما هي تداعيات هذه الخطوة على الاقتصاد والمواطن اللبناني؟ ما هو مصير العملة اللبنانية في السنوات المقبلة؟ وكيف يُفسَر استقرار سعر صرف الدولار في الآونة الأخيرة؟ أسئلة طرحها موقع “لبنان الكبير” على الخبير الاقتصادي باتريك مارديني.

اتجاهان معاكسان
يشير مارديني إلى وجود اتجاهين في لبنان، يتمثلان في فئة تُعارض الدولرة بحيث يناسبها بقاء الليرة اللبنانية وتشمل كلاً من الحكومة والقطاع العام لأنها تُمكنهم من تمويل نفقاتهم عن طريق تخفيض قدرة المواطن الشرائية. هذه الفئة لا يزال لديها سلطة كبيرة جداً ولا تُريد التخلي عنها، فضلاً عن أن مصلحتها تلتقي مع عدد من المصارف التي لا تريد إعطاء المودعين أموالهم الدولارية ويهمها أن تتموّل السحوبات لهم عن طريق طباعة الليرة. وبالتالي إذا اتجه لبنان نحو الدولرة، فلن يكون هناك عملة وطنية وسيضطرون إلى دفع الودائع بالدولار وهذا ما يريدون تفاديه. أما الفئة الثانية فهي الأكثرية الساحقة وتشمل كافة القطاعات والمؤسسات والأفراد التي من مصلحتها الاتجاه إلى الدولرة، ولا سيما أن الشركات الخاصة على سبيل المثال أصبحت تُسعّر منتوجاتها على الدولار (حتى لو كانت التسعيرة بالليرة اللبنانية إنما وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء)، كذلك الموظفون الذين يناسبهم أن تُصبح رواتبهم بالعملة الصعبة لأن قدرتهم الشرائية تتعرض إلى المزيد من التآكل كلما انهارت الليرة. حتى الدولة في مكان ما من مصلحتها دولرة مداخيلها، فجباية الضرائب مثلاً بالدولار سيكون أكثر فعالية من جبايتها بالليرة اللبنانية. وحسب مارديني، فإن جباية الدولة لضرائبها بالدولار ودفع الرواتب للقطاع العام بالعملة الصعبة، واعتماد المؤسسات الخاصة دولرة أسعارها ودفع رواتب القطاع الخاص أيضاً بالدولار سيكون اتجاهاً صحياً للبنان لأنه يُنقذ جزءاً كبيراُ من مواطنيه من الفقر والعوز.

تداعيات إيجابية
وعن تداعيات الدولرة على الاقتصاد والمواطن اللبناني، يقول مارديني أنه يجب التمييز بين الدولرة الجزئية التي يعيشها لبنان اليوم وهي أن كل مواطن يحمل في جيبه الدولار ولديها ودائع دولارية لكن يوجد مقابلها أو إلى جانبها ليرة لبنانية، وبين الدولرة الشاملة التي نتحدث عنها والتي تقضي بسحب الليرة بشكل كامل من السوق وإيقاف التداول بها على أن تصبح عملة لبنان الرسمية الدولار. من هنا، فإن تداعيات الدولرة الشاملة ستكون إيجابية على الدولار، بحيث ستنهي انهيار القدرة الشرائية للمواطن الناتجة عن انهيار الليرة نتيجة دولرة راتبه، خصوصاً أن أي زيادة أو تحسين في الرواتب اليوم يتم صرفها على ارتفاع الأسعار وانهيار سعر الصرف والتضخم. أما بالنسبة للشركات والمؤسسات، فإن الدولرة تُساعدها على إتمام حساباتها بطريقة صحيحة، وتسعير بضائعها بشكل واضح وإعطاء زودة على الراتب بعيداً عن تقلبات سعر الصرف المستمرة التي أدّت إلى العديد من الأضرار أبرزها هروب الاستثمار وخفض الانتاج وارتفاع البطالة وغيرها الكثير، لافتاً إلى أن الدولرة مربحة للاقتصاد والمواطن اللبناني وتُفيد الجميع إلا أصحاب النوايا السيئة الذين يريدون تمويل نفقاتهم عن طريق تخفيض القدرة الشرائية للمواطن عمداً من خلال التضخم وانهيار سعر الصرف.خيارات ثلاث

وعن مصير العملة اللبنانية في السنوات المقبلة، يشير مارديني إلى وجود ثلاث خيارات أمام الليرة:

الاستمرار بالنهج المتبع حالياً والقائم على تمويل عجز الموازنة عن طريق الاستدانة من مصرف لبنان أي عن طريق زيادة العرض النقدي وتمويل خسائر المصارف أي سحوبات الودائع الدولارية بالطريقة عينها (المصرف المركزي يمنح الحكومة والمصارف الليرة من أجل متطلباتهم). هذا النهج وفي حال الاستمرار به، سيؤدي إلى المزيد من الارتفاع في الدولار والمزيد من التضخم.

الاتجاه إلى الدولرة والتخلص من الليرة رحمة بالاقتصاد والمواطن اللبناني.

إنقاذ الليرة عن طريق إنشاء مجلس نقد Currency Board يعمد إلى تثبيت الليرة وفقاً للدولار بحيث يقوم بإصدار ليرة تحظى بتغطية دولارية بنسبة 100 في المئة.

ووفقاً لمارديني، فإن الحكومة اللبنانية تسير بالخيار الأول والذي هو انهيار متواصل لليرة، في حين يبقى الخياران الآخران أفضل منه بكثير، وكل الأحاديث التي تتناول التعويم الموجه لا تزال تدور في إطار الخيار الأول.استقرار مصطنع

يعتبر مارديني أن الاستقرار الذي يشهده سعر الصرف في الآونة الأخيرة هو استقرار مصطنع يفرضه المصرف المركزي من خلال تدخله في سوق القطع عبر التعميم رقم 161، من خلال شراء الليرة من السوق وضخ الدولار عوضاً عنه، لافتاً إلى أن شراء العملة الوطنية يجفّف الكتلة النقدية اللبنانية وبالتالي يخفّف من الطلب على الدولار الأمر الذي يؤدي إلى تراجع سعر صرفه وثبات الليرة تزامناً مع زيادة عرضه من السوق.

هل المصرف المركزي سيستطيع التدخل دائماً عبر هذا التعميم؟ بالطبع لا، يقول مارديني مرجعاً ذلك إلى أن كمية الدولار التي يمكن له أن يضخها في السوق هي كمية محدودة، وبالتالي سيضطر في مكان ما إلى التوقف عن هذه السياسة مما سينجم عنه ارتفاع الدولار مجدداً.

ويختم مارديني: “هذا الاستقرار المصطنع في سعر صرف الدولار كلفته تكبير الخسائر وفجوة مصرف لبنان وبالتالي تكبير الأزمة المصرفية، ويأتي على حساب الأزمة المصرفية وأزمة الودائع”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Grand Lb