تعددت الحلول والاقتراحات لمعالجة هذه المعضلة الاّ أنّ اياً منها لم يجد طريقه الى التطبيق لأسباب عدة. لكن الدراسة التي أعدها المعهد اللبناني لدراسات السوق عن مشكلات وحلول الكهرباء في لبنان كانت لافتة وحازت جائزة أفضل ورقة سياسات عامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المهرجان العربي للحرية الذي أقيم في العاصمة المغربية الرباط، مركزة على الحلول التي يمكن أن تعالج المشكلة من دون اي كلفة على الدولة.
وفي لقاء مع “النهار” شرح رئيس المعهد الدكتور باتريك المارديني أن القانون اللبناني منع تطور قطاع المولدات الخاصة بالشكل المناسب، فبقي احتكار مؤسسة الكهرباء لإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية وجباية الفواتير مستمراً على رغم عدم قدرتها على توفير حاجات المواطنين. هذا الاحتكار جعل مِمَن يوفر خدمة الاشتراك مخالفاً للقانون بما أدى إلى انتقاء عكسي (Adverse Selection)، اذ تم تفضيل المولدات الرخيصة (التي تحتاج الى رأس مال صغير) على المصانع الكبرى المكلفة (التي تفرض وجود استثمار كبير)، وذلك خشية أن تلجأ الدولة الى إيقاف هذا العمل في أي لحظة والتسبّب بخسارة رأس المال، علماً أن كلفة انتاج الكهرباء بالمولدات البدائية تفوق بأشواط، كلفة انتاجها بالمصانع المتقدمة.
اقترح بعض المسؤولين، توفير الكهرباء عبر القطاع الخاص بما يوفّر على الدولة كلفة بناء محطات إنتاج. وبناء على ذلك، تم تعديل المادة السابعة من القانون الرقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) من اجل السماح بمنح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمال. لكن هذا التعديل، وفق ما يقول المارديني، لم يحدد طريقة بيع الإنتاج. “لذا يتم حالياً تداول فكرة تتمحور على تقسيم لبنان إلى دوائر بحسب التوزيع السياسي والمذهبي في البلد (نحو 12 دائرة)، ومنح امتياز توليد الكهرباء البديلة في كل دائرة الى شركة خاصة تدور في فلك الطائفة والحزب والزعيم السياسي المسيطر على تلك المنطقة، ثم تبيع الشركة إنتاجها الى مؤسسة الكهرباء التي تهتم بدورها ببيعها الى المواطن”. وبحسب المارديني “يمكن لهذا الاقتراح تأمين الكهرباء 24/7 لكنه يكبّد مؤسسة الكهرباء واللبنانيين خسائر فادحة، بحيث لا يجوز الطلب من مؤسسة الكهرباء شراء المزيد من الإنتاج وبيعه بخسارة”.
ولكن في ظل وجود سوق طبيعية تنافسيّة، لا يجد المارديني حاجة الى المراقبة “لأن سوء الخدمة أو ارتفاع التعرفة يدفع المواطن الى التخلي عن خدمات الشركة المقصّرة واللجوء إلى اخرى. والمحاسبة المباشرة من المستهلك فعّالة جداً برأي المارديني، إذ تكافئ شركة الإنتاج الجيدة وتحاسب الشركة الفاشلة مما يدفع بالقطاع إلى التقدم المستمر”.
ولكن الدولة تمتنع الدولة اليوم عن منح أذونات وتراخيص الإنتاج على رغم ان القانون يسمح بذلك. إلا أنه بمجرد السماح لأي شركة بدخول السوق وإنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها مباشرة الى المواطن بالسعر الذي تراه مناسباً (من دون تعقيد او تأخير بالأذونات والتراخيص)، ستحصل طفرة في الإنتاج لأسباب يلخصها المارديني بالآتي:
– رغبة شركات الامتياز وأصحاب المولدات الخاصة تحسين انتاجهم لأن الإنتاج والبيع باتا شرعيين.
– رغبة كبار رؤوس الأموال على دخول قطاع الإنتاج نظراً الى الطلب المرتفع.
– رغبة جميع الفاعلين في القطاع على بناء مصانع متطورة طويلة الأمد (مائية أو حرارية أو شمسية أو هوائية أو أي نوع من مصادر الطاقة المتجددة) بدل الاتكال على المولدات الآنية.
– احتمال مشاركة شركات كهرباء إقليمية وعالمية.
هذه الطفرة في الإنتاج ستؤدي إلى تأمين الكهرباء 24/7 وإلى خفض كلفة إنتاج الكهرباء البديلة من 850 ليرة إلى 300-350 ليرة للكيلوواط.
ولكن ما مصير مؤسسة الكهرباء في هذه الحالة؟ هذا الحل لا يمسّ مؤسسة كهرباء لبنان، بل على العكس يخفف الضغط عنها عبر اعطائها الخيار بتوفير الكهرباء في المناطق التي تراها مناسبة وبالكمية التي ترغب فيها، كما تستطيع الاحتفاظ بعمالها وكوادرها وتبعيتها للدولة.
من هنا يعتبر المارديني “ان فتح السوق على المنافسة يسمح للمستهلك اللبناني اختيار الشركة الذي يرغب في شراء الكهرباء منها. فإذا كان هناك مواطن في طرابلس غير راض عن خدمة كهرباء قاديشا مثلاً، يمكنه الاشتراك مع كهرباء جبيل أو كهرباء الفيحاء، إذ يحق لأي شركة كهرباء، توسيع خدمتها لتشمل جميع المناطق. كذلك يمكن “منح الخيار للمواطنين ورفع القيود عن المنتجين، مما يؤدي إلى إطلاق منافسة محمودة تبقي السعر منخفضاً والنوعية مرتفعة. في هذه الحال، لا داعي لوجود جهاز حكومي بيروقراطي للمراقبة نيابة عن المستهلك الذي يراقب بنفسه، فيمتنع عن الشراء من ذوي الخدمات الرديئة أو المكلفة ويلجأ الى ذوي الخدمة الصالحة والسعر المقبول والإنتاج البيئي. كما يزيد في المقابل شراء الكهرباء من الشركات ذات الخدمة الجيدة والسعر المقبول والإنتاج النظيف، من ربحها ويشجعها على زيادة الإنتاج. علماً أن الامتناع عن شراء الكهرباء من الشركات السيئة ذات السعر المرتفع والخدمة الرديئة والإنتاج الملوّث يكبّدها خسائر مادية، بما يضطرها إلى تحسين خدماتها وخفض سعرها ورفع معاييرها البيئية، أو ترك السوق لمن هو أفضل منها”.