يجتمع مجلس الوزراء اليوم وعلى جدول أعماله بند استعراض دفتر الشروط الجديد لاستقدام معامل توليد الكهرباء بقدرة نحو 400 ميغاواط لثلاثة أشهر، و400 ميغاواط لستة اشهر من تاريخ فض العروض، التي كان نص عليها القرار رقم 60 تاريخ 17/8/2017. وأعطى المجلس وزير الطاقة والمياه مهلة أسبوع لعرضه على مجلس الوزراء لإقراره، على أن يتضمن دفتر الشروط هذا، الطلب من العارضين تقديم كفالة تأمين موقت بقيمة 50 مليون دولار لكل 400 ميغاواط، إضافة إلى التأمين النهائي، وبند يتعلق بغرامات التأخير، ويحدد مهلة التسليم بـ 90 يوما للقسم الأول و180 يوما للقسم الثاني من تاريخ فض العروض.
ويأتي إدراج هذا البند بناء على كتاب وزير الطاقة والمياه إلى مجلس الوزراء رقم 2927/و تاريخ 21/8/2017، أي بعد 4 أيام فقط على صدور قرار مجلس الوزراء رقم 60 تاريخ 17/8/2017، الذي ألغى استدراج العروض السابق. ويبدو أن قرار مجلس الوزراء الجديد حيك بطريقة تعيد زمام المبادرة إلى وزير الطاقة والمياه ليتحكم مجددا في نتائج المناقصة الجديدة، وذلك بعد مصادرة مجلس الوزراء لدور إدارة المناقصات، من خلال إقرار دفتر الشروط الذي أعده وزير الطاقة في أقل من 4 أيام. ووفق مصادر مطلعة، فإن هذا الدفتر هو نسخة معدلة على عجل من دفتر شروط محطة دير عمار – 2. ويبدو أن تحديد المهل وقيمة الكفالة، قد تم تفصيلها مجدداً على قياس شركة أو شركات معينة، هي الوحيدة التي تتوافر لديها الجهوزية لتأمين المستندات ضمن المهل القصيرة نسبياً، والتي تتميز عن بقية الشركات لتوفر شهادتي الـ ISO14001 والـ ISO 19001.
وتنتقد مصادر خبيرة في المحاسبة العمومية وأصول إجراء المناقصات، “استباق مجلس الوزراء لدور إدارة المناقصات وتحوله إلى مجلس يتعاطى شؤونا وتفاصيل إجرائية يعود إلى إدارة المناقصات التحقق من انطباقها على الأصول المقررة في القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”. واعتبرت ان “إقرار مجلس الوزراء دفتر الشروط المعروض عليه من وزير الطاقة، سيؤدي إلى وضع إدارة المناقصات أمام إشكالية تتمثل باعتمادها دفتر شروط أقره مجلس الوزراء مشوب بأكثر من عيب قانوني ومالي وتقني جوهري، اضافة الى عدم وضوح صياغته وانطوائه على تناقضات، وتضمينه بنوداً تسمح لوزير الطاقة بتعيين فنيين يسميهم هو، لمعاونة لجنة التلزيم التي ستشكلها إدارة المناقصات، فيتمكن بذلك من ممارسة نوع من الرقابة على الإدارة المذكورة ووضع قيود على أدائها ونطاق مهمتها وصلاحياتها”. وهذا الأمر “ستزداد خطورته مع عدم وضوح معادلة التقويم “المتحركة” المنصوص عليها وإتاحة المجال أمام الوزير لتعديلها والتحكم في النتيجة من خلال هذا التعديل، اضافة الى مسألة توفر الاعتماد التقديري اللازم لتغطية قيمة التلزيم، ومطابقة نموذج الكفالة المحدد في دفتر الشروط مع النموذج المقرر اعتماده بموجب التعميم رقم 25/96 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء في حينه (الرئيس رفيق الحريري)، والذي ينص على أن تكون صلاحية كتاب الضمان أو التأمين قابلة للتجديد التلقائي، وأن يعاد الكتاب المذكور إلى المصرف الصادر عنه، أو إلى أن يتم إبلاغه خطياً بإعفائه منه”.
حلول بديلة؟
وفي انتظار ما ستؤول اليه المناقصة الجديدة، يذكر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني في حديث الى “النهار” بالحلول التي يمكن ان توفر على الدولة ملايين الدولارات وتؤمن الكهرباء للمواطنين على مدار الساعة. ويشير مارديني الى “الحجج التي اعتمدت لإبعاد المعامل الثابتة عن الواجهة هي عدم توافر رقعة أرض على اليابسة لاستضافتها”. ولكن هذا الترويج يهدف في رأيه “الى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والالتفاف على قرار مجلس الوزراء مجتمعا والعودة إلى حصر المنافسة بالسفن، وهذا يعني اعتراف بالفشل وسبب إضافي لكف يد الدولة عن القطاع. ويسأل: “على أي أساس تم تلزيم ست محطات تحويل جديدة بقوة 220 كيلوفولت، وهي الضاحية، الأشرفية، البحصاص، صيدا، بعلبك والمارينا – ضبية، إن كان لا يمكن وصلها بمحطات إنتاج على الأرضي اللبنانية؟
وفي مطلق الاحوال، فإن إيجاد رقعة أرض لبناء معامل الإنتاج هو من مسؤولية العارض، أي الشركة التي تريد توليد الكهرباء على اليابسة، وليس مسؤولية الدولة، إذ ليس على هذه الأخيرة سوى السماح للعارض بربط معمله بمحطات التحويل. وهنا يؤكد مارديني أنه يمكن الافادة من الازمة العقارية اليوم، فالعقارات متوافرة بكثرة، وقد بدأت الشركات العقارية حملة تكسير أسعار الأراضي”.
استعجال المهل
من المعروف أن الهدف من استدراج العروض هو تشجيع أكبر عدد من الشركات على المشاركة والتنافس من أجل تأمين أفضل عرض للحكومة. لذا من المستغرب السعي المتواصل إلى الحد من عدد العارضين عبر حصر دفتر الشروط بمحطة عائمة، وعبر تضييق خناق مهل تقديم العروض وتقليصها الى أسبوعين، والتباهي بأنّ دفتر الشروط الجديد سيكون أقسى من السابق. فوضع العراقيل، وفق ما يقول مارديني، “أمام العدد الأكبر من العارضين يفرغ المناقصة من مضمونها ويعيد إنتاج الظروف التي أدت إلى إلغاء المناقصة السابقة. واللافت أن أحدا لا يتبنى الدفاع عن المولدات العائمة من منطلق أنها الحل الأفضل والأوفر، بل يتم البحث عن أعذار تصَوِّرها على أنها الحل الأوحد، وكأن من يطرح هذا المشروع يعلم مسبقا أنه حل سيفشل إذا ما تمت مقارنته ببدائل أخرى”. ومن أجل تمرير المولدات العائمة واستبعاد الحلول الأجدى، كانت الحجة في البداية أن لبنان مقبِل على موسم صيف حافل سيحمل معه أكثر من 1.5 مليون سائح لتبرير حصر المناقصة بحل وحيد وسريع وهو السفن. أما اليوم، فرغم انتهاء موسم الصيف وسقوط مبرر الضرورة، فقد تم استعجال استدراج العروض بما سيؤدي الى استبعاد الحلول السليمة، وحصر المناقصة مجددا بالسفن. فهل يمكن للسفن منافسة بدائل أخرى إذا ما تم إعطاء مهل زمنية واقعية لاستدراج العروض واستجرار الكهرباء؟
تزامن قرار إعادة المناقصة مع توقيع اتفاق لشراء 300 ميغاواط من سوريا بكلفة 400 مليار ليرة، إضافة إلى استعداد سوريا لتأمين 500 ميغاواط أخرى من خلال عرض طرحه رئيس الحكومة السورية على وزير الزراعة غازي زعيتر.
ولكن بعيدا عن التجاذب السياسي، واذا اخذنا في الاعتبار حصرا الجدوى الاقتصادية، فإن إجراء مناقصة مفتوحة للجميع بما فيهم السفن التركية ومعامل الغاز والعرض السوري وغيرها، يسمح بمقارنة هذه العروض وبانتقاء الأنسب منها. أما استثناء المعامل والعرض السوري من المناقصة، فلا يسمح لنا بالمقارنة، وفق ما يقول مارديني. ففكرة استيراد الكهرباء يمكن أن تكون فكرة سديدة إذا لم تتوفر القدرة على إنتاجها محلياً، لكن الدولة تمنع اللبنانيين من إنشاء شركات إنتاج الكهرباء وربطها على الشبكة! علما أنه لو سمحت بذلك لكان من الممكن للقطاع الخاص استنباط بدائل أفضل قد تلغي الحاجة إلى الإستيراد من أصله.
ويقترح اطلاق المنافسة في قطاع الإنتاج والسماح لمن يرغب بإنتاج الكهرباء ونقلها عبر الشبكة وبيعها مباشرة للمواطن من دون قيود على الأسعار، فتعمل الشبكة على شكل مقاصة، ويتولى الجباية مقدمو خدمات التوزيع. وهذا النظام يسمح بتأمين 24 ساعة من الكهرباء، من دون أن تصرف الدولة فلساً واحداً على استئجار سفن أو استجرار كهرباء أو حتى بناء معامل.