لماذا لا نعتمد القسائم التعليمية للفقراء؟

لماذا لا نعتمد القسائم التعليمية للفقراء؟

يكثر الحديث حالياً عن إمكان تجميد 25 في المئة من سلسلة الرتب والرواتب أو جزء منها لثلاث سنوات، وإن كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن عن عدم
السير بهذا الطرح لما له من تداعيات اجتماعية. ولكن ليس خافياً، أن قـرار زیـادة الرواتـب والأجور(السلسـلة) شكل ضربـة موجعـة للطبقــات الفقیــرة فــي لبنــان خصوصاً تلك التي لا تفيد من السلسلة.

فبحســب الإحصــاءات الأخیــرة، یعانــي نحو نصــف الشــعب اللبنانــي مــن الفقــر ویقــع 30% منــه تحــت خــط الفقــر. ويجهد بعــض هؤلاء لتعلیـم أولادھـم فـي المـدارس الخاصـة علـى الرغـم مـن ّ أوضاعهم الاقتصادیــة الســیئة. أمــا الیــوم، وفــي ظــل السلســلة التـي أدت إلى ارتفـاع الأقسـاط، لـم یعـد أمامهم سـوى إرسـال أولادهم إلى التعلیـم الرسـمي، مـا یحـرم الطبقـات الكادحـة مـن الوصـول إلى سـلم الارتقـاء الاجتماعـي، ویعمـق التفـاوت بیـن طبقـات المجتمـع اللبنانـي. ووفق المحللة الإقتصادیة في المعهد اللبناني لدراسات السوق كلیر بصبوص تشـكل نسـبة الرسـوب فـي المـدارس الرســمیة أكثــر مــن ضعــف النســبة فــي المــدارس الخاصــة، وترتفــع معــدلات التســرب فيها إلى حوالــي 7.1% وقــد دفــع كل ذلــك بالعدیــد مــن الأهالي إلى إبعــاد أولادهم عنها على الرغم من مجانيتها.

ولمواجهة هذه الأزمــة، تقتــرح بعــض المــدارس الخاصـة تعدیـل القانون رقـم 115، والسـماح للدولة بتغطیة رواتـب المعلمیـن مـن الخزینـة أسـوة بالتعلیـم الرسـمي. هذا الطرح وفق بصبوص، يؤمن حلاً جزئیـاً علـى المـدى المنظـور، إلا أنه سيتسبب بمشكلات أكبــر علــى المــدى الطویــل على نحو يطیــح بمســتوى المدرســة الخاصــة وحريتها. إذ عنــد الاتــكال علــى الدولــة لدفــع الرواتـب والأجـور لمعلمـي المـدارس الخاصـة، یتحتم علـى الأخیــرة الخضــوع لمعاییــر وطنیــة وهيئات رقابیــة ومســاءلة أكادیمیــة تضعهما وزارة التربیــة عاجــلاً أم أجــلاً. كما يؤدي هذا التطفـل المتنامـي إلى إفقـاد المـدارس الخاصـة حريتها تدریجیـا فـي اختیـار الكتـب والأسـاتذة بـل وحتـى الطـلاب، جاعلا إياها رهينة القرارات السياسية بما يؤدي إلى انحـدار مسـتواها لتصبح نســخة منقحــة عــن المــدارس الرســمیة. لــذا، تصبــح الإشــكالیة كالآتي: كیــف یمكــن تأمیــن مــوارد إضافیــة للمــدارس الخاصــة مــن دون إخضاعها للتجاذبــات السیاســیة والمناطقیــة والتدخل في التوظیف والتنجیح والترقیة؟

وتقترح بصبوص حلاً يعتمد على القسـائم التعلیمیـة المعتمـد فـي الكثير مــن البلــدان مثــل الولایــات المتحــدة الأمیركیــة والســوید وكولومبیـا وغیرها. ویقتضـي الحـل بـأن تعطـي الدولـة للأھـل قســیمة مدرســیة (نحو الـ 3 آلاف للتلمیــذ) یمكــن اسـتعمالها فقـط لدفـع أقسـاط المدرسـة.

هذا الحـل برأي بصبوص يسمح بتثبیـت بعــض الطــلاب غیــر القادریــن علــى الدفــع فــي المــدارس الخاصــة عبــر إعطائهم قســائم تعلیمیــة، كمــا یســمح لبعــض طــلاب المدرســة الرســمیة بالانتقــال إلى التعلیــم الخــاص. إذاً تؤمن القســائم التعلیمیــة التمویــل للمدارس الخاصــة عبــر مسـاعدة بعـض طلابها الحالییـن المتخلفیـن عـن دفـع أقسـاطهم وعبــر زیــادة عــدد الطــلاب، فنكــون بذلــك قــد رفعنــا مــن مسـتوى الطـلاب فـي لبنـان عبـر تحویـل بعضهم إلى مـدارس خاصـة ذات مسـتوى أعلـى، كمـا أعطینـا ذوي الدخـل المحـدود القـدرة علـى اختیـار المـدارس لأبنائهم عبـر هذه القسـائم. وبمـا أن القســائم تعطــى للأهل (لا للمدرســة مباشــرة)، فــإن قــدرة السیاسـة علـى التحكـم بالمـدارس الخاصـة تنخفـض. كمـا یسـاھم هذا الحـل فـي تعزيز المنافسـة مـا بیـن المـدارس الخاصـة، لأنها ســتعمل جاهدة علــى اســتقطاب القســائم، بما یرفــع مســتواها ویســاعد كذلــك علــى رفــع مســتوى المدرســة الرســمیة كــي لا تخسر طلابها”.

وتقتـرح بصبوص إعطـاء 200 ألف قسـیمة تعلیمیة: مائة ألف لطــلاب القطــاع العــام تســمح بانتقالهم إلى القطــاع الخــاص بقیمة 3 آلاف دولار للقسیمة الواحدة، ومائة ألف لطلاب القطــاع الخــاص تســمح لمــن هم علــى وشــك تــرك المدرســة الخاصـة بتثبيتهم فـي مدارسهم بقیمـة 1000 دولار للقسـیمة الواحـدة. هكذا تبلـغ قیمـة القسـائم مجتمعـة 400 ملیون دولار. أمـا الیـوم، فتنفـق وزارة التربیـة علـى التعلیـم الرسمي غیــر الجامعـي مــا یقــارب الـ 959 مليون دولار في المـدارس الرسـمیة (أي مـا یقـارب 238 ألـف طالبـ یـوازي 3 آلاف دولار علـى كل طالـب) یذهب 80% منها لدفـع الرواتـب والأجـور (أي مـا یعـادل 767 ملیـون دولار). ویرتفـع الفائـض التوظیفـي فـي التعلیـم الرسـمي إلى 40% أي مـا يوازي 300 ملیـون دولار. كمـا أن انتقال 200 ألف سـنویاً مـن أصـل 338 ألفـاً في المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة ینبغــي أن یخفــض كتلــة الرواتــب والأجــور تلقائیــاً بنحو 250 مليون دولار.

هل يمكن لهذه الاقتراحات أن تنجح في لبنان؟ ترى بصبوص أن إصلاح قطاع التعليم في لبنان یتطلــب قــراراً شجاعاً من وزیــر لا یخشــى تطهير الإدارة والمــدارس الرســمیة مــن الفائض فــي التوظیف، علما أن نظام القسائم يسمح للوزیر برفــع المســتوى التعلیمــي لنحو 200 ألف طالــب لبنانــي فقیــر ســیتمكنون مــن الحصــول علــى فرصــة لمستقبل أفضل.

إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع النهار