عرضت الوزيرة ندى البستاني على مجلس الوزراء خطتها “المحدثة” لإصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، واستمهلها الفرقاء السياسيون أسبوعاً من أجل مراجعتها من لجنة وزارية متخصصة لم تستطع الإجتماع سوى مرة واحدة نظراً للظروف الصحية لرئيس الحكومة سعد الحريري، على أمل أن تعاود هذه اللجنة مناقشة الخطة الأسبوع المقبل.
في المقابل أكدت البستاني أنّ ”يدنا ما زالت ممدودة وآذاننا صاغية لكل ملاحظة هادفة وانتقاد بنّاء ونحن جاهزون للاستماع لكلّ فكرة جيّدة وفي النهاية خطّة الكهرباء يجب أن تُقرّ ويبدأ تنفيذها في أقرب وقت لأن مصلحة اللبنانيين أولوية”.
تلحظ الخطة الجديدة العمل على زيادة القدرة الإنتاجية بالشراكة مع القطاع الخاص، وتقترح كذلك إمكان دمج الحلين الموقت والدائم، وتخفيض الهدر وتحسين الجباية وزيادة التعرفة واستبدال الفيول بالغاز لخفض كلفة الإنتاج.
الخطة الجديدة، كما سابقتها، تسهب في الحديث عن الجزء التقني، أي نوع المعامل والوقود ومواقع الإنتاج وغيرها من التفاصيل، لكنها تغفل الأهم من ذلك، أي كيفية إشراك القطاع الخاص وطريقة التمويل والتسلسل. ووفق رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، “إذا كان الحل الدائم يرتكز على إجراء مناقصة لشراء الطاقة من القطاع الخاص (بعقد PPA – Power Purchase Agreement) شبيه لعقد دير عمار الجديد، فهذه خطوة في الاتجاه الصحيح تهنأ البستاني عليها لأنها تسمح لشركات الإنتاج المستقلة (IPP – Independent Power Producer) ببناء المعامل على نفقاتها الخاصة، ما يوفر على الدولة كلفة تمويل الاستثمار. أما إذا كان الهدف شراء المعمل وتشغيله بدلاً من شراء الطاقة، فستواجه الخطة مصير سابقاتها، إذ لا قدرة للخزينة ووزارة المال على تحمل هذه الأعباء الإضافية”.
على صعيد تخفيض الهدر وتحسين الجباية، أدخلت الخطط السابقة القطاع الخاص عبر شركات مقدمي الخدمات التي يبدو أن ثمة اصرار على بقائها على الرغم من الفشل الذريع لبعضها، إذ يرى مارديني أن “طبيعة عقد مقدمي الخدمات Distributer Service Providers) –(DSP سيئة لأنها تطلب من الشركات الثلاث تقديم خدمات الجباية والصيانة ووقف الهدر نيابة عن كهرباء لبنان في مقابل بدل أتعاب. ويعني ذلك أن مقدمي الخدمات قد يخسرون أتعابهم إذا ما تعذر عليهم القيام بواجباتهم، لكن الدولة تبقى الخاسر الأكبر لأن الهدر يبقى على عاتقها. لذا يقترح مارديني “تغيير طبيعة عقد مقدمي الخدمات (DSP)إلى شركات توزيع الكهرباء (Electric Distribution Companies-EDC). ووفقا لهذا المسار، تشتري شركات التوزيع مجمل إنتاج كهرباء لبنان، وتدفع ثمنه للمؤسسة، وتتكفل ببيعه للمواطن، فتتحرر كهرباء لبنان من أعباء الجباية والهدر وتقبض كلفة الإنتاج من الموزع بدلاً من أن تدفع له ثمن الخدمات. أما شركات التوزيع، فيتركز مدخولها في قدرتها على خفض الهدر وتحسين الجباية. وهي إذا نجحت في ذلك تجني الأرباح بينما تتحمل الخسارة في حال فشلها”. ويستند الى “تجربة كهرباء زحلة والمولدات الخاصة التي أثبتت برأيه قدرة شركة التوزيع على تحسين الجباية ووقف التعديات والهدر بشرط أن تحصل الفواتير لنفسها. أما منظومة مؤشرات الأداء (KPI) المفروضة حالياً على مقدمي الخدمات، فقد اثبتت فشلها لأنها تجعل من مصلحة هذه الأخيرة الالتفاف عليها وتبرير عدم تحقيقها وإعادة النظر فيها”.
وهذا النظام وفق ما يوضح مارديني “يسمح لشركات الإنتاج المستقلة (IPP) ببيع إنتاجها مباشرة إلى شركات التوزيع (EDC) من دون الحاجة إلى المرور عبر مؤسسة كهرباء لبنان. وهذا ما يشكل في الحقيقة شبكة خلاص لكهرباء لبنان وللخزينة. فاليوم، أيّ زيادة في الإنتاج يُهدِر نصفها، فيما يباع نصفها الآخر بخسارة بسبب التسعيرة المدعومة. أما تفادي المرور بكهرباء لبنان وبالتسعيرة المدعومة، فيؤمن للمواطن كهرباء بكلفة أدنى من مولدات الاشتراك دون زيادة خسائر الدولة على القطاع، كما يضمن التزامن فعلياً بين رفع الإنتاج وإصلاح التسعيرة.”
وقبل البدء بزيادة الإنتاج، يشدد مارديني على ضرورة الانتقال إلى نظام شركات توزيع الكهرباء “وإلا موازنة البلد رايحة على المهوار، ولم نعد نملك خمس سنوات.” والانهيار هذه المرة لن يقتصر على تقنين الكهرباء بل يتعداه ليطيح بالأجور والتعويضات التي يتقاضاها موظفو القطاع العام برمتهم، وبجميع ركائز البلد الاقصادية وبالطبقات الفقيرة على وجه الخصوص. لذا يبقى المعيار الوحيد لتقييم خطة البستاني هو معرفة ما إذا كانت ستنجح في تخفيض سلفة كهرباء لبنان بدءا من العام 2019، لان الوقت الآن بات يداهم الجميع.
تمتد المدة الزمنية لخطة الكهرباء الجديدة، على المديين القصير والطويل، أي بين 6 أشهر و10 سنوات. وتقترح استقدام أو إنشاء معامل موقتة، بدءا من العام 2020 ولفترة تراوح بين 3 سنوات و5 سنوات، وبقدرة 1450 ميغاواط، على أن يتم إنشاء معامل دائمة، في كل من سلعاتا والزهراني والحريشة. وبعيدا عما أثير من تضمين خطة الكهرباء طلب تخصيص مبلغ 200 مليون دولار لاستملاك أراضي في منطقة حامات العقارية لإقامة معمل كهرباء فيما هناك استملاكات قديمة للغاية عينها في المنطقة العقارية عينها سبق أن دفعت تعويضاتها ووضعت مؤسسة الكهرباء اليد عليها، يستند الاحصائي بشارة حنا لـ “النهار” الى تقرير لأحد الخبراء الفرنسيين خلال العام 2012 الذي يبين بأن المعامل الأقل كلفة هي المعامل المشغلة على الغاز ولا تزيد كلفة الإنتاج فيها عن 8 سنت للكيلوواط ساعة، أي نحو 120 ليرة، فلماذا زيادة سعر الكيلووات إلى 217 ليرة. وبرأيه يمكن إنشاء معامل على الطاقة الشمسية خلال فترة سنة وبما أن الخطة تلحظ إنشاء معامل بقوة 850 ميغاواط فلماذا الإنتظار لوضع المعامل بعد 5 سنوات، مؤكدا أنه يجب لحظ زيادة تدريجية تتوافق مع زيادة الطلب كما هو مبين في الجدول أدناه. من الفرضيات الخاطئة في الخطة التي يشير اليها حنا هي أن زيادة الطلب لا تتعدى أكثر من 3% في حين أن الزيادة الأكثر واقعية هي برأيه 5.5% آخذا في الاعتبار زيادة المساكن بحدود 2.1% سنويا، إضافة إلى زيادة الطلب من المؤسسات، الذي يمكن أن يمثل نحو 45% من الطلب في المستقبل، كما أن المساكن تمثل عادة نحو 40 إلى 45 من الطلب، إضافة إلى وجود نحو 150 الف وحدة سكنية وغير سكنية غير مشتركة حاليا في عداد. ووفق ما يقول حنا فإنه اذا لم نأخذ في الاعتبار زيادة الاستثمارات على نحو يلبي الطلب فإن الحاجة الى المولدات الخاصة والبواخر ستستمر.
وفي الموازاة، يشير الى أهمية تفعيل الجباية وتخفيض الهدر الفني الذي يقدر حاليا بنحو 16% الى 10% خلال أقل من سنتين وليس خلال فترة تمتد إلى ست سنوات كما هو وارد في الخطة.