في ظل الخطر الاقتصادي الداهم، بدأت تتضح صورة الإصلاحات في #الموازنة المرتقبة، اذ يجري الحديث حالياً عن زيادة الإيرادات عبر رفع الضريبة على الفوائد من 7% إلى 10% وعلى شطر الدخل المرتفع (بمعدل 25%) وعلى القيمة المضافة إلى 15% وعلى المازوت والبنزين. كما يتم البحث في تقليص النفقات من طريق خفض خدمة الدين العام بنسبة 15% والحد من بعض التحويلات
(كالقروض المدعومة والعطاءت للجمعيات وعجز الكهرباء) وكبح امتيازات موظفي القطاع العام عبر تجميد 15% من الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وتعويضات الصرف وإلغاء أو خفض كل ما يفيض عن أساس المعاش من ساعات إضافية ونقل ومخصصات اجتماعية واشتراكات ومساهمات في صناديق التعاضد
وعلى الرغم من هذه الإجراءت، فإنّ الانهيار حتمي برأي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك المارديني، لأنّ الدولة تتخبّط خبط عشواء وترتكب 7 أخطاء قاتلة ستطيح بالبلد عموماً، وبالطبقات الفقيرة خصوصا. ويفصّل المارديني أخطاء الإصلاحات السبعة المطروحة لـ “النهار” كالآتي:
– زيادة الضرائب والرسوم: حاولت الحكومة رفع ايراداتها في العام 2018 عبر زيادة العبء الضريبي، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، إذ انخفض مدخولها مقارنة بالعام 2017. واليوم، تتّجه إلى تكرار الخطأ عينه، علماً أنّ لبنان تخطّى السقف الأقصى لقدرته على تحمل الضرائب (Laffer Curve). لذا فإنّ هذه الإجراءات الضريبية ستؤدّي إلى إفقار الجميع وإقفال المحال التجارية والمؤسسات الخاصة وتسريح العمال وتخفيض ايرادات الدولة كما حصل في العام الماضي.
– اللعب بالليرة: تشكّل خدمة الدين العام نحو 34% من الموازنة، من هنا اقتراح مفاوضة المصارف وإقناعها بتخفيض معدل الفوائد التي تتقاضاها من الدولة. ولكن تخفيض الفوائد من دون تخفيض خطورة الاستثمار في سندات الخزينة (Risk Premium on Sovereign Bonds) سيؤدي حتماً إلى هروب الرساميل من لبنان (flight-to-quality) والتفريط في سعر صرف العملة (Devaluation)، تماما كما حصل في #تركيا أخيراً. وإضافة إلى ذلك، فإنّ سياسة تسييل الدين العام، أي الطلب من مصرف لبنان إقراض الدولة بفوائد مدعومة، سيؤدي في الوضع الحالي إلى تضخّم يطيح هو الآخر بسعر صرف الليرة. وهذا تماما ما حصل في #فنزويلا في العام 2018 حينما خسرت العملة 96% من قيمتها وبلغ التضخم 1,000,000%، والنتيجة خسارة الناس للقدرة الشرائية لرواتبهم ومدّخراتهم وتعويضاتهم وتقاعدهم بين ليلة وضحاها وانتشار الجوع والحرمان في صفوف الطبقات الفقيرة.
– الخلط بين التوظيف في الدولة ومساعدة الفقير: يقدّر عدد موظفي الإدارات والمؤسسات الرسمية بموظفَين لكل وظيفة فعلية، ويكلف ذلك الدولة نحو 35% من النفقات العامة. ودخل هؤلاء إلى الملاك أو التعاقد من طريق الواسطة والزبائنية والتنفيعات السياسية، وبات عددهم اليوم يشكل خطراً على مصير لبنان. لذا يتوجّب على كل وزير أن يقوم بخفض نصف عديد موظفي وزارته، فيتقاسم الأحزاب والزعماء الكلفة السياسية للإصلاح. أما التهرّب من المسؤولية والادّعاء بأنّ الفائض والفساد في التوظيف يهدفان إلى مساعدة الفقير، فهو مجرد ذرّ للرماد في العيون. ففقراء لبنان هم العاطلون عن العمل منذ أعوام، والعاملون في المهن الحرة المتواضعة التي تعاني ركوداً، ويدفع هؤلاء الفقراء كلفة الفائض بالدولة من جيبهم عبر الضرائب والديون.
– الامتناع عن خفض النفقات الاستثمارية: تشكّل النفقات الاستثمارية نحو 9% من موازنة الدولة وتتضمّن استملاكات وإنشاءات قيد التنفيذ وتجهيزات وصيانة. وبغضّ النظر عن الشوائب التي تشوب طريقة تحديد الأولويات وإجراء المناقصات، فإنّ الوضع المزري لميزانية الدولة لم يعد يسمح بهذا النوع من الإنفاق أصلاً. لذا، بدلاً من الاتكال على تمويل الدولة، يمكن إجراء هذه المشاريع على نفقة القطاع الخاص. كما أنّ هدف تنفيذ مشاريع الاستثمار في البنى التحتية بعد إجراء الإصلاحات اللازمة، فلماذا الإنفاق عليها من خارج #سيدر وقبل إجراء الإصلاحات؟
– الانتقائية في خفض التحويلات: يشكّل بند التحويلات نحو 16% من النفقات العامة (إذا ما استثنينا خسائر #كهرباء_لبنان)، وهو مبلغ ضخم لم يفضح منه في الإعلام إلا ما تحصل عليه بعض الجمعيات المدعومة. اما معظم المجالس والهيئات والصناديق داخل القطاع العام، فلم يتم التطرق لها رغم انها لا تقوم بأي عمل جدّي يُذكر. وتم التغاضي أيضاً عن الدعم غير المُجدي للسلع والمواد. تخيّل مثلاً أنّ الدولة اللبنانية تدعم القمح غير الصالح لصناعة الخبز!
– الإبقاء على النظام الحالي للضمان والتقاعد الذي هو بمثابة قنبلة موقوتة: بدل أن تتكفل الدولة بدفع اشتراكات موظفيها ومساهماتهم في صناديق التعاضد والضمان، والتي هي على شفير الإفلاس، يجب العمل على إعطاء كلّ موظف خيار انتقاء صندوق معاشات التقاعد الذي يناسبه.
– التلاعب بالحسابات: بدأت عملية التلاعب عندما تم إلغاء عجز الكهرباء في موازنة العام 2018 بشحطة قلم وتحويله قرضاً من الدولة إلى كهرباء لبنان، ما سمح بتخفيض وهمي لنفقات الدولة بنحو 10%. وقد كان مثل هذا التلاعب بالأرقام بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في اليونان وأدت إلى الانهيار الكبير.
ورداً على مقولة أنّ الوضع سيئ أصلاً، فكيف له أن يسوء أكثر، يوضح المارديني أنّه في العام 2011، أفلست 111 الف شركة يونانية وسرّحت عمالها وتضاعف معدل البطالة 3 مرّات وانخفض معدل الدخل الفردي بـ -25% وازدادت نسب الفقر والاكتئاب والانتحار والإدمان، وتشرّد نحو 20 ألف شخص وتحولوا إلى التسوّل. ويختم بأنّ “لبنان مقبل على ما هو أسوأ من اليونان”.