لم يتأكد حتى الآن ما اذا كان مشروع موازنة 2019 الذي احالته الحكومة على مجلس النواب، سيقر كما هو، أم ان ملائكة المجلس ستنتظره لتحرس اللبنانيين من ضرائب جديدة يمكن أن تزيدهم فقراً وتكرس في المقابل ثقافة التهرب الضريبي لأصحاب رؤوس الأموال والشركات التي شملتهم الموازنة بضرائب قد تحاصر نشاطهم في ظل التراجع الاقتصادي.
يتضمن مشروع موازنة 2019 زيادة جديدة على الرسوم والضرائب تشمل الاستيراد وفوائد حسابات الأشخاص المودعة في المصارف (رفع الضريبة على الفوائد من 7% إلى 10%)، وشطر الدخل الذي يتجاوز 225 مليون ليرة (ضريبة 25%)، ورسوم إشغال غرف الفنادق والشقق المفروشة ورسوم المطار ورسم النارجيلة وغيرها. هذه الرسوم وغيرها من الرسوم سترفع واردات الدولة وفق ما تتوقع وزارة المال الى 18.9 تريليون ليرة لسنة 2019.
ولكن هذا الرقم أي 18.9 تريليون ليرة هو رقم مفرط في التفاؤل، وفق ما يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني الذي لا يتوقع تخطي الإيرادات 16.5 تريليون ليرة، لأن لبنان تخطى المستوى الأقصى لما يعرف بعلم الاقتصاد بمنحنى لافر Laffer curve. ففي العام 2017، قدرت الدولة الإيرادات بـ 16.4 تريليون ليرة فجاء المحصل 16.25 تريليون ليرة. وفي قانون موازنة 2018، رفعت الدولة الضرائب والرسوم وتوقعت مداخيل بقيمة 18.68 تريليون ليرة، أي بزيادة نسبتها 15%، فكانت المفاجأة أنه تم تحصيل 15.06 تريليون ليرة فقط لا غير، لغاية شهر تشرين الثاني من العام 2018. ويعني ذلك أنه “بدلاً من زيادة مداخيل الدولة جراء الضرائب، بقيت الواردات على حالها أي نحو 16.5 تريليون ليرة (إذا افترضنا أن محصل شهر تشرين الثاني كان نحو 1.4 تريليون ليرة)”.
وفي حين تتوقع الدولة أن تؤدي الزيادة في الرسوم والضرائب على الشركات ورؤوس الأموال الى زيادة الايرادات، إلاّ أن مارديني اعتبر أن “هذه الضرائب ستؤدي إلى تقلص حجم الصحن الضريبي، لأنها تشجع المؤسسات على الإقفال والتهرّب الضريبي والتحول إلى اقتصاد الظل ومغادرة لبنان إلى دول تمنح حوافز ضريبية بدلاً من البقاء في دولة تركز جهدها على اقتطاع مداخيل الشركات التي قد تجني أرباحاً. وهذا ما حصل فعلا في العام 2018 حيث نقلت الكثير من الشركات أعمالها إلى بلدان أكثر تحفيزاً ضريبياً مثل مصر وتركيا والعراق وغيرها، وحينها شهد لبنان تراجعاً في نسبة النمو من النسبة المتوقعة البالغة 1.5% إلى 0.2%”. ويتوقع مارديني تفاقم الوضع فِي سنة 2019 في ظل الركود الاقتصاديّ المقبل، ويعتبر أن مشروع الموازنة المتداول يضخم حجم الواردات بنحو 1.7 تريليون ليرة.
وفي تفصيله للرسوم الاخرى في مشروع الموازنة، يلفت مارديني الى ان “السياحة تساهم بـ19.1% من الناتج المحلّي (10.4 مليارات دولار) في لبنان، ويؤمن القطاع السياحي العمل لـ394,300 شخص. لكن القطاع السياحي اليوم يعاني الأمرّين، فكلفة المجيء إلى لبنان جواً مرتفعة جداً مقارنة بوجهات سياحية منافسة، مثل تركيا ومصر واليونان وقبرص وغيرها وكلفة التكييف والإنارة والتبريد مرتفعة أيضا بسبب انقطاع الكهرباء وكلفة يد عاملة مرتفعة. لذا، فقد شهد لبنان تباطؤاً في نمو السياحة من نسبة مقدرة بـ10% إلى 5.8% عام 2018، ويتوقع ان يزداد الوضع تفاقماً فِي سنة 2019 في ظل الضرائب والرسوم الجديدة بما سيقلِّص حجم الصحن الضريبي ايضاً ويخفض حجم الضرائب التي تتقاضاها الدولة من القطاع”.
والمعلوم أن الموازنة لحظت غرامة جديدة على الشركات السياحية التي تستقدم وفوداً أجنبية، إذ أن كل شخص في عهدتها يتخلف عن المغادرة في الوقت المحدد لمغادرته ستدفع غرامة مالية بقيمة 3 ملايين ليرة. كما لحظت الموازنة فرض رسم إشغال في الفنادق أو الشقق المفروشة. إذ استحدثت رسوم عن كل اشغال في الفنادق من فئة خمس نجوم: 10 آلاف ليرة، والفنادق فئة 4 نجوم 5 آلاف ليرة، والفنادق 3 نجوم رسم قيمته 3 آلاف ليرة.
أما الشقق المفروشة، فقد فرض رسم 7 آلاف ليرة على الاشغال في الشقق درجة أولى، و5 آلاف ليرة في الدرجة الثانية.
الرسوم على الاستيراد!
لحظ مشروع الموازنة رسوماً جمركية جديدة تؤدي عموماً إلى فرض الدول الأجنبية المتضررة رسوماً جمركية ثأرية على السلع اللبنانية. وتجدر الإشارة إلى أن مجموع قيمة الصادرات الصناعية خلال العام 2018 بلغ مليارين و548 مليون دولار، في مقابل مليارين و474 مليون دولار خلال العام السابق، أي بارتفاع بنسبة 3%. وعلى الرغم من الصعوبات، فقد استطاعت الصناعة اللبنانية أن تصدّر كميات مقبولة من إنتاجها إلى الخارج. وفي حال وضعت الدولة رسوماً جمركية مرتفعة على المستوردات من الخارج، فستضطر الدول التي نستورد منها إلى معاملتنا بالمثل. وهذا يعني برأي مارديني أن “السياسة الحمائية، ومن أجل مساعدة شركات محلية فاشلة (لا تستطيع بيع بضائعها للمواطن اللبناني)، تسعى الى فرض رسوم جمركية على شركات لبنانية ناجحة تستطيع التصدير للخارج ومنافسة البضائع الأجنبية. وسيقلص ذلك من حجم الصحن الضريبي ويخفض حجم الضرائب التي تتقاضاها الدولة من الصناعة المصدرة”.
يعتبر خفض الأسعار الوسيلة الأنجع لمحاربة الفقر، إلا أن ما ينتظره اللبنانيون من ارتفاع للاسعار وركود اقتصادي، يمكن أن يقلص فرص العمل يستدعي السؤال عن نسبة الفقر التي يمكن ان يسجلها لبنان خصوصاً وأن نسبة الفقراء بلغت في 2016 بحسب دراسة لـUNDP نحو 28.5% من سكان لبنان، فيما يعيش نحو 350 ألف لبناني في فقر مدقع (أي بأقل من دولار يومياً) وفق دراسات أخرى.