ينبغي علينا الاقتصاد بالمصاريف لدفع ديون المرحلة السابقة ! عمد المسؤولون إلى تضخيم الثروة اللبنانية عبر الاستدانة، مسكتين الرأي العام بتوظيفات وتنفيعات. أمّا اليوم، فقد أفاق الشعب من سكرته، ولكنه لم يع مسؤوليته بعد.
نعم، فإنّ الشعب الذي سكت عن الديون المتراكمة استفاد هو أيضاً من اقتصادٍ مبني على الديون لتمويل مشاريع غير منتجة لا تسمح بالتالي بإعادة دفع الدين. وهو اليوم مطالب بتفهم الخطأ وإصلاحه. ويتطلب ذلك بلا شكّ الكثير من التضحيات!
نعم، لقد جرى نهب قسم كبير من الدين عبر سمسرات وسرقات، إلّا أنّ الجزء الأكبر منه كان يذهب لدفع رواتب لموظفين في مؤسسات الدولة غير المنتجة، والذين حرم توظيفهم القطاعات المنتجة قدرتها التنافسية لجذب اليد العاملة. فعند ارتفاع رواتب القطاع العام، لا يبقى في القطاع الخاص إلا من لا يتمكن من دخول سلك الدولة، وهو ما يجبر البارعين والأدمغة في معظم الأحيان على الهجرة.
ويُعتبَر القطاع العام سلسلةً من التنفيعات السياسية والتوظيفات العشوائية لأهداف سياسية انتخابية بحتة، يمَوَّل من الديون، في حين يعمل جلّ القطاع الخاص في لبنان لحساب الدولة على مشاريع غير منتجة، معظمها سمسرات وتنفيعات. ولا يعني هذا بالطبع خلوّ القطاع الخاص من شركات عالية الإنتاجية تصدّر بضائعها غير مكترثة بسمسرات الدولة والسياسيين، ولكنّ ما نقصده هو أنّ حصّة الأسد من الدخل القومي اللبناني تصبّ في وظائف القطاع العام أو مشاريع الدولة التي تنفذها شركات خاصة على شكل تنفيعات والخدمات التي تمنحها الدولة على شكل احتكارات، وهي بدورها تنفيعات سياسية.
ولئن لم يقتنع الشعب بضرورة إعادة هيكلة الموارد البشرية اللبنانية بعيداً عن القطاع العام، إضافةً إلى تشجيع المبادرة الفردية والقطاعات الإنتاجية التي تصدر الإنتاج وتجلب العملات الصعبة وتخفض نفقات الدولة تمكيناً لها من سداد ديونها، فإنّه لن يخرج من هذه الأزمة. أمّا بقية الحلول المقترحة، فهي في أفضل حالاتها قد تؤجّل الأزمة عبر استدانة جديدة، بينما يصبح حلها أصعب في المستقبل!
قد يكون وضع سقف لمديونية الدولة في صلب الدستور وآلية محاسبة أي مسؤول لا يحترمها ومعاقبته مطلباً جيداً!