لبنان عاجز عن سداد الديون.. ما هي السيناريوهات البديلة؟

لبنان عاجز عن سداد الديون.. ما هي السيناريوهات البديلة؟

تلاحق الديون اللبنانية الحكومة الجديدة في ظل تدني الوضع الاقتصادي نتيجة جفاف موارد التمويل وارتفاع المديونية، ما يلقي على عاتق الحكومة أن تتخذ قرارا سريعا بشأن كيفية التعامل مع سندات دولية (اليوروبوند) بقيمة 1.2 مليار دولار، والتي يحين موعد سدادها في مارس/ آذار 2020.

ويتبع استحقاق مارس/ آذار مجموعة من الاستحقاقات أقربها استحقاقان في أبريل/ نيسان، وحزيران/ يونيو المقبلين، بقيمة 1.3 مليار دولار، إضافة إلى فوائد الدين العام التي تقدر بنحو 2.5 مليار دولار، في بلد تصنف كثالث أكثر دولة مديونة في العالم، بمجمل ديون بلغت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، نحو 89.48 مليار دولار (أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي)، منها 30 مليار دولار بالعملة الأجنبية.

بعد اجتماع مع الرئيس ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال وزير المالية غازي وزني، الخميس: إن “البلاد تبحث خيارات للتعامل مع استحقاقات السندات الدولية الوشيكة بما في ذلك ما إذا كانت ستفي بالمستحقات من ناحية الدفع أو عدم الدفع”.

هناك العديد من الخيارات المطروحة أمام الحكومة الجديدة ومنها سداد الدين من احتياطيات المصرف المركزي أو عدم الدفع والعمل على إعادة هيكلة الدين العام، ويأتي الخيار الأخير في ظل تدني التصنيف الائتماني للبلاد، ما يعني المخاطرة بتصنيف لبنان كدولة متعثرة وصعوبة الاقتراض مستقبلا.

فيما دعا البعض إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، أو بيع أصول الدولة (خصخصتها) لسداد تلك المستحقات، أو منح أصحاب السندات المستحقة إمكانية المشاركة بقيمة تلك المستحقات في السندات ذات المدى الأبعد ولكن بسعر فائدة أقل.

صندوق النقد الدولي أشار إلى أن لبنان يحتاج إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لزيادة الثقة واحتواء التضخم في الوقت الذي يتحرك فيه لدعم اقتصاده.

فيما اعتبر المدير الإقليمي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، أن “لبنان يواجه أزمة مالية واقتصادية ومعيشية غير مسبوقة”.

صحيفة الأخبار اتهمت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بـ”سرقة أموال اللبنانيين وتجويعهم”، وطالبت بـ”طرده من منصبه ومحاكمته”، بينما طالب النائب اللبناني جميل السيد، في تغريدة على تويتر بعدم إقالة حاكم مصرف لبنان، داعيا إلى “تحميله المسؤولية، ومحاكمته”.
سيناريوهات بديلة

يرى الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، أن “سيناريو عدم سداد الديون أمر خطير جدا لأنه يعني منح العالم الخارجي الحجة بحجز الأصول التابعة للدولة اللبنانية في أي مكان بالعالم، وبالتالي هي لعبة خطيرة جدا، بالإضافة إلى أن إعادة هيكلة الديون أمر صعب لما له من تداعيات”، مؤكدا على أن أحد الحلول المنطقية هو الحل الذي دفع به حاكم مصرف لبنان.

وأضاف عجاقة، في حديثه لـ”الاستقلال”: “هذا الحل يتمثل على سبيل المثال في أن استحقاق مارس/آذار البالغ 1.2 مليار دولار ينقسم إلى استحقاق خارجي يبلغ 550 مليون دولار، واستحقاق داخلي (محلي) يبلغ 650 مليون دولار، وبالتالي تقوم الدولة بدفع المستحقات الخارجية ومنح المدينين المحليين سندات بقيمة تلك المستحقات على فترة أطول بفائدة أقل”.

وأوضح عجاقة: أن “اللجوء لصندوق النقد يدفع البلاد إلى تكرار السيناريو المصري من خلال فرض شروط من قبل الصندوق تتمثل في تحرير سعر صرف الليرة، ورفع الضرائب والرسوم، وسحب الدعم عن العديد من السلع والمواد الغذائية”.

مضيفا أن لبنان 84 % من ديونه هي ديون داخلية وبالتالي ليس هناك حاجة حقيقية لطلب المساعدة من الصندوق نظرا لأنه يمكن تسوية تلك المشاكل داخليا.

وأشار عجاقة، إلى أن “بيع أصول الدولة مثل شركة الميدل إيست وشركتي الخليوي ومرفق بيروت وغيرها من المرافق التابعة للدولة لتسديد المستحقات هو أمر غير مستحب في ظل تفشي الفساد داخل البلاد”.

مؤكدا “إمكانية انتهاج الخصخصة على الطريقة الفرنسية من خلال إشراك القطاع الخاص في رؤوس أموال المؤسسات الحكومية دون أن تفقد الدولة السيطرة عليها”.

وتابع: “على سبيل المثال شركة الميدل إيست هي شركة ناجحة وتقدر قيمتها بما يفوق المليار دولار أمريكي فإذا قمت اليوم ببيع الشركة كاملة مع النشاط الاقتصادي مستقبلا ربما تزيد قيمتها أكثر لذلك وجب التفكير في بيع جزء منها على شكل أسهم دون أن تفقد الدولة السيطرة عليها”.

من جانبه، قال رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باترك ماردين، لـ”الاستقلال”: “إجمالي استحقاقات لبنان من سندات اليوروبوند وفوائدها تبلغ نحو 5.2 مليار دولار، والدفع نحو إعادة هيكلة الديون أو التفاوض على الدين من خلال أشكاله المختلفة هو خيار أفضل من التمنع عن الدفع لما له من تداعيات، خاصة على التصنيف الائتماني للبلاد”.

وأكد ماردين، على أن “المشكلة الرئيسية لا تتمثل في كيفية دفع تلك الاستحقاقات، ولكن تتمثل في أن نفقات الدولة اللبنانية أعلى من إيراداتها نتيجة دعم الكهرباء والخبز والسلع الأخرى بالإضافة إلى رواتب الموظفين في القطاع العام (تمثل 65% من إيرادات الدولة) والصفقات العمومية مما يترتب عليه عجز كبير في الموازنة العامة، وبالتالى عدم قدرة الدولة على سداد ديونها”.

وأضاف ماردين: “الحديث عن إعادة هيكلة الدين دون وجود إصلاحات هيكلية في طبيعة الإنفاق الحكومي لن تحل مشكلة الدين بلبنان، والبيان الوزاري الصادر عن الحكومة حول خطتها التي تضمنت معالجة الأوضاع الاقتصادية مليء بالعموميات وخالي من التفاصيل دون تحديد إصلاحات واضحة لتخفيض النفقات”.
دفع المستحقات

وحول اللجوء إلى سداد الدين من احتياطيات مصرف لبنان، قال عجاقة: “يجب دفع المستحقات، خاصة للخارج لأن التعثر مرة واحدة له تبعات سلبية مثل عدم القدرة على الاستدانة في المستقبل، ودفع الاستحقاقات الخارجية لن تؤذي الدولة اللبنانية نظرا لضآلة حجمها إذا ما قورنت بالمستحقات الداخلية”.

وأوضح ماردين، أن “حجم ودائع اللبنانيين في المصارف اللبنانية يبلغ 120 مليار دولار يوجد منهم 30 مليار دولار كاحتياطي نقدي بالمصرف المركزي، بينما نحو 90 مليار دولار موزعة بين الدولة والقطاع الخاص كديون، وإلى الآن لم ترد تلك الأموال”.

مضيفا”: “الدولة اللبنانية لا تملك أموالا لسداد تلك الديون، وبالتالي يجب أن تبحث الحكومة الآن عن كيفية رد تلك الأموال وليس البحث عن كيفية صرف الـ 30 مليار دولار المتبقيين”.
المصرف المركزي

عجاقة أكد على أن المصرف المركزي “لم يساهم في تفاقم تلك الأزمة”، مثنيا على دور المصرف في ثبات النظام المالي من حيث السياسة النقدية المتبعة، مضيفا: أن “ارتفاع الفائدة أيضا لم يتسبب بها المصرف، لكن طلب الدولة على الأموال اللبنانية بشكل كبير تسبب في ذلك خضوعا لقاعدة الطلب والعرض”.

وقال عجاقة: “لذلك القول أن المصرف هو المتسبب في تمنع الاستثمار نتيجة الفوائد العالية، أمر غير دقيق لأن المشكلة الأساسية نابعة من مبدأ أن المالية العامة هي التي عكرت الواقع المالي والنقدي اللبناني”.

بينما يرى ماردين، أن “المصرف ساهم في تلك الأزمة من خلال إقراض أموال المودعين للحكومة اللبنانية، في الوقت الذي كانت ترفض فيه المؤسسات التمويلية إقراض الحكومة”.

مضيفا: أن “قيام المصرف بإقراض الحكومة بالدولار، وبفائدة منخفضة سمح للحكومات المتعاقبة بإهدار تلك الأموال بشكل مستمر وأكبر من قدرة الاقتصاد على تمويل تلك القروض”.

وأوضح ماردين، أن المشكلة الأساسية أن السلطة السياسية تحاول إلقاء اللوم على المصرف في حين هي من صرفت تلك الأموال، والمصرف هو تحت إمرة الحكومة، لكن هذا لا يمنع أن المصرف أخطأ كونه ليس من دوره تمويل عجز الموازنة.

إضغط هنا لقراءة المقال على صحيفة الإستقلال