هل المواجهة في القوانين والنصوص والتعاميم المبنية فقط على “الأمر”، ما زالت تنفع؟ وإن نفعت فهل تصبّ في مصلحة المواطنين بشكل أساسي؟
التجارب على أرض الواقع تثبت العكس تماماً، فهذا تحديداً ما حدث مع قانون منع التدخين في الأماكن العامة وانشاء منظومة للنقل العام، وإصلاح الدولة وغيرها الكثير من المواضيع التي لم تطبق فيها القوانين، وصولاً إلى اضطرار مصرف لبنان إلى إصدار تعميم يحدّد فيه سعر صرف العملة عند الصرّافين للمرة الأولى رسمياً والثانية “حبياً” في غضون خمسة أسابيع.
التعميم
التعميم الجديد يطلب من الصرّافين بوضوح هذه المرة “التقيّد استثنائياً بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية لا يتعدّى نسبة 30 في المئة من السعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف، وألّا تخرج الهوامش المعتمدة بين البيع والشراء عن العادات المألوفة”. وبشرط “عدم التوقف عن القيام بعمليات الصرافة بكافة أنواعها بحيث تبقى حركة هذه العمليات متماشية مع نمط النشاط الذي درجت على القيام به خلال السنتين السابقتين (2018-2019) تحت طائلة تعرّض الصرّافين للشطب من لائحة مؤسسات الصيرفة”.
بعبارة أوضح، فإن سعر شراء الدولار عند الصرّافين يجب ألّا يتعدى 1950 ليرة، وهو يشكل ما نسبته 30 في المئة زيادة عن السعر الرسمي المحدد بـ 1507.5، وممنوع عليهم الإقفال أو الإمتناع عن البيع والشراء بشكل طبيعي.
المواطن يدفع الثمن
على عكس الإتفاق الذي حصل بين الصرّافين ومصرف لبنان قبل نهاية كانون الثاني، أتى الطلب هذه المرة تحت حجة الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها البلد وبتعميم رسمي، لهجته أكثر صرامة وبتحديد سعر البيع والشراء، في حين ترك هذا الأمر تحديداً في الاتفاق الماضي رخواً وغير محدد. إلا أنه وفي جميع الحالات يُعتبر بحسب الصرّافين والإقتصاديين منافياً لقوانين التجارة الحرة الليبرالية التي يتبعها لبنان.
ردّ الفعل الأوّلي على القرار كان إقفال الكثير من محلّات الصيرفة أبوابها أمام العملاء، “وهل هذا ممنوع أيضاً؟”، يقول أحد الصرّافين وهو يقفل محلّه. ومن بقي منهم فاتحاً رفض بيع الدولار بسعر من المفروض أن يكون بحسب التعميم بين 2000 أو 2030 ليرة بحد أقصى. “هم يأكلون الحصرم ونحن نضرس”، يوضح أحد المواطنين، فبرأيه ان لعبة “تشليحنا” الدولارات ما زالت تمارس علينا. ففي المرة الماضية رفعوا سعر الصرف إلى 2000 ليرة فعمد الصرافون إلى الشراء وعدم البيع. وهذه المرة أيضاً سيعمدون إلى اتباع الاسلوب نفسه”.
الدولار “الخيالي”
المشكلة أعمق بكثير، فعدا عن كون التعميم إعترافاً رسمياً بخسارة العملة الوطنية 30 في المئة من قيمتها، فهو برأي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني ممكن ان يؤدي إلى نتيجتين ترتبطان بتطبيقه أو عدم تطبيقه. ففي الحالة الأولى إذا جرى ضغط على الصيارفة من قِبل القوى الأمنية فسيُفقد الدولار من البلد وتولد سوق ثالثة “من تحت الطاولة” بدولار “خيالي” من الممكن ان يصل إلى معدلات غير متوقعة. فبصفتهم الوسيطة لن يستطيع الصرافون شراء الدولار بسعر 2000 ليرة لان سعر السوق أعلى بكثير. وإذا استطاعوا الشراء على هذا السعر فإن العملية لن تصمد أكثر من أيام معدودة، مثلما حدث في المرة الماضية. وذلك مرتبط بشكل أساسي بحاجتنا الكبيرة إلى الدولار لاستيراد كل شيء من الخارج. أما في الحالة الثانية، أي عدم تطبيق القرار، فيكون عندها الهدف من إصداره لا يتعدّى رفع المعنويات ومحاولة الحدّ قدر الإمكان من تقلّب الأسواق”. قبل ساعات من استحقاق 9 آذار المفصلي يحدّد سعر صرف الدولار اصطناعياً. فبغضّ النظر إن أتى القرار بالدفع أو التمنّع فهو سيؤدي إلى ضغط هائل على الليرة ويدفع إلى مزيد من تدهور سعر صرفها.
مقابل القرارات التي تصمد لساعات فإن الحل البديل هو الدخول في مفاوضات جدية مع الدائنين وعلى أساس خطة واضحة ترعاها جهات لها ثقة دولية مثل صندوق النقد، عندها فقط تهدأ الأمور طبيعياً. إلا ان الخوف الأكبر هو ان نكون قد تأخرنا وفات الأوان.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن