ستيف هانكي يشرح لـ”النهار” إيجابيات “مجلس النقد”:سيكف اليد “الطولى” للمسؤولين عن النظام النقدي

ستيف هانكي يشرح لـ”النهار” إيجابيات “مجلس النقد”:سيكف اليد “الطولى” للمسؤولين عن النظام النقدي

لا يزال لبنان المأزوم ماليا واقتصاديا، يتلقّى المزيد من النصائح والاقتراحات ومشاريع الحلول للأزمة الاقتصادية والنقدية التي سحبت بساط الاستقرار من تحت أقدام اللبنانيين، ورمتهم في أتون الضياع والخوف على غد مفقود منه الأمل والأمان.
مشاريع حلول وخطط اقتصادية عدة تُطرح، تارة متناقضة، وطوراً متضادة، تتداخل فيها السياسة مع المصالح الشخصية. بعضها للاستثمار الإعلامي وحب الظهور، وبعضها الآخر نسخات طبق الاصل من مدارس اقتصادية قد تصلح تطبيقاتها أو صلحت في أمكنة ودول وأزمنة أخرى، ولكن حتما ليست هي العلاج الناجع للمعضلة المالية والاقتصادية اللبنانية. فالبلاء فينا، سياسة وطائفية ومحسوبيات ومحاصصة، قبل أن يكون عجزاَ في النمو والعقول والخبرة والإمكانات، وتاليا لو اختفت أم ا رضنا هذه من نظامنا السياسي أو عولجت بحكمة، فسيجترح الإبداع اللبناني و”شطارته” حتماً حلولاً تعيد النمو والاستقرار المالي والنقدي الى هذا الوطن المكلوم، ويستعيد أبناؤه ما فقدوه من قيمة مداخيلهم ومدخراتهم، وكرامتهم الضائعة بين ذل الحصول على لقمة العيش وعلبة الدواء وتسديد فاتورة مولّد من بقايا رواتب وليرات لا تغني عن جوع ولا تستر آخرة.
أخطر ما في الازمة الاقتصادية هو تدني سعر صرف الليرة واختفاء العملة الصعبة في بلد يستورد 90 % من حاجاته. لذا يقدر الاختصاصيون أن تثبيت سعرالعملة على الدولار الاميركي عامل اساسي في اعادة تحريك عجلة النمو وعودة الاستقرار الى الاسواق. وفي حالتنا اللبنانية يمكن “استعارة” تجارب ناجحة اعتُمدت في دول عانت كلبنان وخرجت من أزمتها.
“مجلس النقد” الذي تداوله الإعلام أخيرا مشروع يمكن أن يعوّل عليه في لبنان ويؤخذ بروحيته وآليات عمله بما لا يتناقض مع الليبرالية الاقتصادية المعتمدة وحرية استقبال الاموال وتحويلها والحفاظ على السرية المصرفية.
ستيف هانكي هو أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، وهو من أهم الخبراء الدوليين في اختصاص مجالس النقد والدولرة حول العالم، استصرحته “النهار” الكترونياً عن مفهوم مجلس النقد ودوره وأهدافه، وكيفية عمله وقدرته على وقف الإنهيار النقدي للعملة اللبنانية واعادة تكوين التوازن، وتاليا الاستقرار بحاضنتيه المالية والاقتصادية. فكان الحوار الآتي:
*ما هو دور مجلس النقد؟ وهل تتوافر في لبنان الظروف نفسها التي توافرت في دول أخرى نجح فيها مجلس النقد؟
-يمكننا تعريف مجلس النقد على أنه مؤسسة نقدية، أو مجموعة من القوانين التي تحكم عمل المصرف المركزي. ويسمح مجلس النقد باصدار عملة محليّة
يمكن تحويلها بالكامل من دون قيود إلى عملة احتياط أجنبية بسعر صرف ثابت بكل معنى الكلمة. وفي مجلس النقد يتم دعم العملة المحلية باحتياطات نقدية
من العملة الأجنبية بنسبة 100 %. وتكون لدى مجلس النقد ترتيبات وسياسات متعلقة بسعر الصرف، ولكنه لا يتمتع بالصلاحيات التي تخوّله اتّخاذ سياسات
نقدية استنسابية. ودائم اً ما يحقق مجلس النقد الأرباح من عمليات صرفه، كما احتفظت مجالس النقد حول العالم بسجل نظيف امتد طوال 170 عاماً. وقد شهد
العالم حتى الآن قيام أكثر من سبعين مجلس نقد تأسست جميعها في أصعب الفت ا رت الاقتصادية التي مرت بها بلادها، بما في ذلك الأزمات المرتبطة بسعر
الصرف وحالات الركود والتضخم المفرط والحروب، ونجحت على الدوام في تحقيق الاستق ا رر للاقتصاد ولسعر الصرف على الفور وخلق الثقة وتهيئة الظروف المؤاتية للإصلاح والنّموّ .
وسيكون لبنان بلداً مثالياً لإقامة مجلس نقد، إذ سيقضي مجلس النقد اللبناني فور إنشائه على التضخّم ويحقق الاستق ا رر للبنان. وعلى رغم أن الاستق ا رر وحده قد لا يكون كلّ شيء، إلا أن كلّ شيء من دون الاستقرار ليس شيئ اً.
*كيف يمكن أن ينجح مجلس النقد في غياب الاصلاحات المطلوبة؟
-تؤدي مجالس النقد إلى القضاء على التضخّم وانشاء ظروف مستقرة في بلد إقامته. وفي حال غياب الاستقرار، لا يمكننا المباشرة في أي إصلاح على الإطلاق. ويؤدي إنشاء مجلس النقد، بما يقوم به من قضاء على التضخم وخلق للاستق ا رر، إلى إعطاء الحكومة الصدقية اللازمة التي تخوّلها المضي قدماً في تحقيق الإصلاحات المطلوبة. لذا تُعتبر مجالس النقد شرطاً مسبقاً لتصميم الإصلاحات الناجحة وتنفيذها على الأرض.
*ما الفترة التي يتطلبها مجلس النقد لعودة الليرة الى استق ا ررها؟
-سيحصل استق ا رر الليرة على الفور عند إنشاء مجلس النقد، كما ستنخفض معدلات التضخم انخفاضاً شديداً، تماماً كما حصل مع بلغاريا سنة 1997 في وقت وصل تضخمها المفرط إلى ذروته بنسبة 242 % شهريا.
*هل يمكن أن ينجح مجلس النقد في لبنان في ظل المحاصصة الطائفية؟
-سيكون مجلس النقد أفضل انظمة الصرف المتاحة، فهو مصمم خصيصاً لحالات مثل البيئة السياسية المعقدة في لبنان. وهو محكوم بالقواعد بالكامل، كما
لا يتبع أي سياسة نقدية استنسابية، ما يؤدي إلى تقييد جميع السياسيين وكفّ “يدهم الطولى” عن النظام النقدي وتلاعبهم به. ونتيجةً لذلك، تعمل مجالس النقد على الحد من الفساد والسيطرة السياسية.
*هل يساعد مجلس النقد المودعين على استعادة اموالهم من المصارف؟
-ثمة طريقتان لفك تجميد الودائع المحتجزة في المصارف اللبنانية. وتكمن أولاهما في تقليل القيمة الحقيقية لليرة نتيجة التضخّم، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان الناس معظم مدخراتهم وجنى أعمارهم. أمّا الطّريقة الثّانية، فتكمن في إعادة تحريك عجلة النمو الاقتصادي بحيث ترتفع قيمة الموجودات في المصارف وتتقلص فيها الفجوة بين قيمة الموجودات والمطلوبات. وبالطبع، يؤدي الاستقرار الناتج من إنشاء مجلس نقد إلى تفعيل الطريقة الثانية. فإذا أراد اللبنانيون زيادة فرص استرداد ودائعهم المصرفية، سيكون عليهم وبقوة التوجه نحو تفضيل حلّ مجلس النقد على كل الحلول الأخرى.
*ما هو السعر المناسب للدولار في لبنان؟
-لا أدري في الوضع ال ا رهن ما هو سعر الصرف الأنسب للّيرة، فأنا أفضّل م ا رقبة أسعار السوق ومن ثمّ وضع سعر الصرف المناسب، تماماً كما فعلت في بلغاريا سنة 1997 عندما كنتُ كبير مستشاري الرئيس البلغاري ستويانوف. وستجري العملية على النحو الآتي: في الحالات المماثلة للبنان حيث يتأرجح سعر الصرف بشكل كبير من دون أن نعرف سعر الصرف المحقق للتوازن، تكمن الطريقة الفعالة في السماح للسوق بتحديد هذا السعر بنفسه عبر إ ا زلة كل الضوابط
والقيود عن عملية الصرف وتجميد القاعدة النقدية والسماح بسعر صرف عائم حرّ غير مقيَّد من دون أيّ تدخُّل لفترة قصيرة، ولتكن ثلاثين يوماً. هكذا، يمكن المرء، باستخدام هذه المعلومات حول سعر الصرف، إج ا رء تحديد دقيق للمكان الذي ينبغي تثبيت سعر الصرف العادل المحقق للتوازن عليه.
انظمة مجلس النقد طُبقت في دول عانت من تدهور عملتها ونجحت في تخطي ازماتها المالية، فهل يمكن أن يكون العلاج الشافي للأزمة النقدية والمالية في لبنان؟

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار