الضريبة على القيمة المضافة تقود تراجع الإيرادات.. النتائج المالية تقرع جرس الإنذار الأخير قبل السقوط

الضريبة على القيمة المضافة تقود تراجع الإيرادات.. النتائج المالية تقرع جرس الإنذار الأخير قبل السقوط

إذا كان من الطبيعي أن تكون خانة إيرادات الدولة في النصف الأول من العام الحالي مضاءة باللون الأحمر “الفاقع”، فانه من الجنون بمكان أن يبقى ضوء الاصلاحات الأخضر مطفأ. الإشارات “العنيفة” التي بدأ الإقتصاد باطلاقها عن سلوكه مساراً إنحدارياً منذ بداية العام، لم تحفز على وضع “القدم” السياسية “الغليظة” على فرامل وقف التعطيل.

النتائج المالية للنصف الاول من العام الحالي، تثبت استمرار تغييب الاصلاحات المطلوبة في الموازنة العامة على الرغم من التدهور الدراماتيكي في الاوضاع الاقتصادية.

الإيرادات تتقهقر

التقرير الصادر عن وزارة المال يظهر ان حجم الايرادات في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي تراجع لغاية حزيران الحالي بنسبة 28 في المئة، محققاً ما مجموعه 5,979 مليار ليرة بالمقارنة مع 8,328 ملياراً في الفترة نفسها من العام الماضي.

التراجع الأبرز في بند الايرادات كان من حصة الضريبة على القيمة المضافة التي تراجعت من 1,695 مليار ليرة في النصف الاول من العام الماضي، إلى حدود 850 ملياراً للفترة نفسها من هذا العام. ما يعني أن نسبة التراجع في ايرادات الـ TVA بلغت حوالى 50 في المئة. يأتي بعدها مباشرة تراجع إيرادات الجمارك بنسبة 32 في المئة، حيث تُظهر الارقام انها تراجعت من حدود 943 مليار ليرة في النصف الاول من العام 2019 إلى حوالى 637 ملياراً للفترة نفسها من هذا العام.

وحدها عائدات الضريبة على الرسوم العقارية شذت عن القاعدة وارتفعت من 248 مليار ليرة إلى حدود 367 ملياراً، أي بما نسبته 47.6 في المئة. إلا ان “هذه الايجابية الوحيدة المحققة على صعيد الإيرادات لا يمكن البناء عليها لانها كانت مرحلية ولن تدوم”، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني. “فارتفاع الطلب على العقارات أخيراً كان نتيجة تعمّد المودعين تحرير أموالهم المحتجزة في المصارف عبر شراء المساكن والاراضي. لكن هذه الفورة ستتقلص في الاشهر القادمة بعدما وصلت إلى حدها الاقصى. وستعود عائدات الدولة منها إلى الانخفاض. فيما ستتابع عائدات الجمارك والضريبة على القيمة المضافة انخفاضها نتيجة تأزم الوضع الاقتصادي، وإنفجار المرفأ، وتوقف الكثير من الانشطة والأعمال”.

تراجع النفقات لا يُعول عليه

على المقلب الآخر من “ملخص الوضع المالي”، يَظهر ان نفقات الدولة في الاشهر الستة الأولى من العام الحالي تراجعت بنسبة 19.7 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي. إنما مع الأسف فان هذا التراجع لا يحمل أي معنى اقتصادي، إذ إنه لم يأت نتيجة عمليات إصلاح في القطاع العام أو إعتماد سياسات تتعلق بالتقشف والحد من الانفاق، إنما فقط نتيجة توقف الدولة عن سداد الديون وفوائدها. فالقرار الذي اتخذته حكومة حسان دياب بالتوقف عن سداد القروض في مطلع آذار الفائت، انعكس تراجعاً بنسبة 51 في المئة في خانة “تسديد فوائد” من بند النفقات. حيث تراجع الانفاق على تسديد الفوائد الخارجية من حدود 1,639 مليار ليرة في الفصل الاول من العام 2019 إلى 203 مليارات هذا العام، بما نسبته 87.7 في المئة.

ردم الهوة بين النفقات والإيرادات

الهوة الآخذة في الاتساع بين الايرادات والنفقات تتطلب من الحكومة العتيدة بحسب مارديني “العمل على تخفيض النفقات بشكل جدي بما يتناسب مع تراجع الايرادات. ذلك ان الفرق الشاسع الذي كان يمول قديماً بالاستدانة وحالياً بطباعة العملة، يحمل نتائج تضخمية بالغة الخطورة ويزيد من تدهور سعر الصرف”.

الاصلاحات المطلوب تنفيذها ليست تعجيزية. فكل ما تتطلبه هو اصلاح الكهرباء، ووقف “نزيف” الاكلاف التشغيلية في القطاع العام، وإصلاح النظام الضريبي، ووقف التهرب والتهريب الجمركي. ومن الجهة الأخرى فانه آن الأوان بحسب مارديني لـ “تحفيز النمو من أجل تحقيق ازدهار الاقتصاد وبالتالي زيادة مداخيل الدولة”. وهذا التحفيز برأيه “لا يتم إلا من خلال تحرير القطاعات المحتكرة وفتحها على المنافسة”. ومن هذه القطاعات نسمي الكهرباء، شركات الاتصالات، الانترنت الذي تحتكره أوجيرو وقطاع الطيران المحتكر من قبل “الميدل إيست”. وبرأيه فانه “من شأن تفكيك الاحتكارات تأمين خدمة أفضل وبسعر أرخص. الأمر الذي يشكل قاطرة للنمو تشجع على دخول القطاع الخاص وتوسيع الاعمال وخلق الوظائف… ما يعني تحقيق النمو وزيادة مداخيل الدولة”.

بالاضافة إلى احترام الشفافية، فان أهمية نشر هذه الأرقام في هذا الوقت بالذات تعتبر جرس انذار حقيقياً “للمسؤولين”. فاما المباشرة بالاصلاحات المطلوبة، وإلا على البلد “السلام”.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن