السماح بشراء “الديزل أويل” لكل من يرغب في استعماله وتحديد سعره بـ 540 دولاراً للطن”الطاقة” تُحرّر سعر المازوت وتُبقي ازدواجية الاستيراد المدعوم

السماح بشراء “الديزل أويل” لكل من يرغب في استعماله وتحديد سعره بـ 540 دولاراً للطن”الطاقة” تُحرّر سعر المازوت وتُبقي ازدواجية الاستيراد المدعوم
لمعرفة المسبقة بحتمية رفع الدعم عن المشتقات النفطية قريباً، والتحضّر نفسياً طيلة الفترة الماضية لم يخففا من وقع خبر “موت” دعم المازوت “الرحيم”. فالطاقة أطلقت أخيراً “رصاصة الرحمة” على تسعير المازوت بغير سعره الحقيقي، فاتحة الباب أمام مرحلة جديدة، يصعب التكهن بما يمكن أن تحمله من متغيّرات. ومع هذا بقي “أخذها لأمانة” المازوت ناقصاً، ينتظر ملاقاة أختيها مادتي البنزين والغاز وبقية مصادر الطاقة الأحفورية.
 

في ليلة غاب عنها “ضوء قمر” البطاقة التمويلية، رفعت وزارة الطاقة الدعم عن مادة المازوت جزئياً. القرار اتخذ في 6 أيلول الحالي، وبدأ العمل به بعد يومين، أي اعتباراً من يوم الأربعاء الواقع فيه 8 أيلول 2021. وقد قضى بتحديد الحد الأعلى لسعر مبيع “الديزل أويل” غير المدعوم، ولزوم إعادة التصدير على أساس 540 دولاراً للطن، مع إضافة كلفة نقل بقيمة 112 ألف ليرة. ويمكن الاستفادة من شراء مادة “الديزل أويل” غير المدعوم لكل من يرغب في استعمالها. وتلغى في المقابل جميع القرارات والمذكرات والنصوص المخالفة لاحكام هذا القرار أو غير المتفقة مع مضمونه.

الدعم باق

قرار وزارة الطاقة لا يعني توقف الدعم كلياً، إنما فتح المجال أمام كل الشركات المستوردة والقطاعات الراغبة باستيراد المازوت غير المدعوم. وهذه نقطة الضعف الاولى أو بالأحرى “مقتل” القرار. فبغض النظر عن الشح في فتح الاعتمادات للمازوت المدعوم، فان الابقاء على جزء مدعوم سيشجع الجهات المستفيدة على تخزينه أو تهريبه أو بيعه في السوق السوداء لتحقيق الارباح بدل استعماله في الانتاج. خصوصا أن الفرق بين الطن المدعوم وغير المدعوم يبلغ حوالى 5 ملايين ليرة. أما نقطة الضعف الثانية فهي عدم تحديد آلية فتح الاعتمادات لاستيراد المازوت غير المدعوم. “حالياً، يمول استيراد المازوت غير المدعوم عبر شراء الدولار من السوق الموازية بحسب سعر صرف الدولار الرائج. من دون أي تدخّل من مصرف لبنان لتأمين الدولار”، يقول رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض. “إلا أن هذه الطريقة لا يمكن أن تستمر بعد رفع الدعم كلياً. وعلى المعنيين توضيح الخطة التي سيتم على أساسها فتح الاعتمادات لاستيراد المحروقات”. ومن وجهة نظر فياض هناك حلان ممكنان لكل واحد منهما حسناته وسيئاته.

الأول، رفع الدعم مع تأمين مصرف لبنان الدولار للاستيراد على سعر صرف محدد سواء كان سعر “منصة صيرفة” أو سعر السوق أو خلافه. المهم أن يكون هناك رقم محدد. حسنة هذه الآلية انها تسمح للشركات ببيع البضائع بالليرة اللبنانية لمعرفتهم المسبقة أن هناك سعر صرف محدداً. لكنها تبقي الاستيراد رهن تأمين مصرف لبنان للدولار. وفي حال التأخير كما يحدث اليوم ستعاني الاسواق من شح وانقطاع المواد.

الثانية، رفع الدعم وتأمين الشركات الدولار حاجة الاستيراد من الأسواق بشكل مباشر، بمعزل عن تدخل مصرف لبنان. حسنتها أنها تؤمن المواد بوفرة وبشكل مستمر إلا أنها في المقابل تجعل التسعير بالليرة أمراً مستحيلاً. وبغض النظر عن صعوبة تأمين مبالغ كبيرة جداً بالدولار من الأسواق في فترة قصيرة، فان التقلبات اليومية في سعر الصرف تلحق بالتجار خسائر كبيرة.

عملية استيراد المازوت بالسعر الحقيقي وبيعه بالدولار اتيحت بسبب وجود جدول منظم لاعادة التصدير لتموين البواخر. إنما في حال رفع الدعم كلياً فان المطلوب تحديد جدول أسعار جديد وتوصل المعنيين في الملف من وزارة الطاقة ومصرف لبنان إلى تحديد الآليات المنطقية والعملية التي سيعمل بها”، بحسب فياض. و”إن كان لا بد من دعم بعض القطاعات فيجب أن يقتصر على المستشفيات والأفران بشكل أساسي”.

نتائج رفع الدعم الأولية

السماح باستيراد المازوت غير المدعوم قبل نحو شهر من المهلة المعطاة لرفع الدعم كلياً يعني بحسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس “الدخول إلى جهنم التي وعدونا بها”. فمن اليوم وصاعداً سيحدد سعر المازوت بسعر السوق. أي أن سعر الصفيحة (20 ليتراً) سيرتفع من 98600 ليرة إلى 202040 ليرة. وفي ظل توقف مصرف لبنان شبه الكلي عن فتح اعتمادت للمازوت المدعوم فان كل القطاعات التي تنوي الاستمرار ستكون مضطرة إلى شراء المازوت غير المدعوم وتسعير منتجاتها على هذا الأساس. “ربطة الخبز على سبيل المثال سيرتفع سعرها إلى حدود 6000 ليرة في حال كان سعر الصرف في السوق الموازية 19 ألف ليرة”، بحسب نقيب أصحاب الأفران علي ابراهيم. “إلا أنهم لم يتبلغوا لغاية قبل ظهر أمس أي قرار يؤكد أو ينفي رفع الدعم عن المازوت المخصص للأفران”. أما فاتورة اشتراك المولدات فستتخطى مدخول 80 في المئة من الشعب اللبناني. حيث قد يرتفع سعر الكيلواط ساعة من حدود 2600 ليرة إلى 8000 ليرة لبنانية”، بحسب رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة عبدو سعادة. أي أن أقل فاتورة ستفوق قيمتها 3 ملايين ليرة.

“خير” لا بد منه

المخاطر الإجتماعية لقرار رفع الدعم عن المحروقات بشكل عام والمازوت بشكل خاص تقابل باستحالة الاستمرار بدعم السلع”، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مادريني. و”الخطوة ستبقى ناقصة ما لم تترافق مع رفع كلي للدعم من دون أي استثناءات، وتسعير المحروقات على أساس سعر السوق الموازية”. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، يعتبر مارديني أن “نتائج رفع الدعم ستكون ايجابية حتى لو لم تترافق مع إعطاء بطاقة تمويلية أو أي شكل آخر من أشكال الدعم المباشر. وسيلمس الاقتصاد ومختلف الشرائح الاجتماعية النتائج الايجابية لرفع الدعم في المديين المتوسط والبعيد. مارديني يرتكز في تحليله على نتائج الدعم وما سببه من تعطل لعجلة الانتاج على الصعيد الوطني. فالقطاع الزراعي مشلول، والمزارعون عاجزون عن حراثة أراضيهم وري مزروعاتهم وتبريد منتجاتهم ونقل محاصيلهم إلى الأسواق. والقطاع الصناعي يضطر إلى شراء المازوت من السوق السوداء بأضعاف مضاعفة عن سعره الحقيقي. الأمر الذي يرفع كلفة إنتاجه بشكل هائل. ومختلف الشركات والمكاتب أقفلت أبوابها بسبب عدم توفر الكهرباء. والأزمة تنسحب على إقفال المحلات والمراكز التجارية والفنادق وحتى المستشفيات. إذاً، البلد كله معطل بسبب عدم توفر المازوت المدعوم لتوليد الكهرباء من المولدات الخاصة التي يعتمد عليها لبنان كبديل عن كهرباء الدولة. فيما المازوت المدعوم يهرب ويخزن ويباع في السوق السوداء. وحتى أصحاب المولدات من المربح أكثر لهم بيع المازوت المدعوم في السوق السوداء بدلاً من تشغيل مولداتهم واستهلاكها ودفع أكلاف الصيانة وقطع الغيار وتحصيل الفاتورة على السعر المدعوم المحدد من قبل وزارة الطاقة.

أمام هذا الواقع يعتبر مارديني أن “الخروج من الأزمة يتطلب العودة إلى العمل والإنتاج، وهذا لن يتأمن طالما المازوت مدعوم وغير متوفر. أما في ما خص السعر فيجب أن يتحدد بحسب سعر الصرف في السوق الموازية بمعزل عن أي تدخل من مصرف لبنان”. وهاجس عدم القدرة على تأمين كميات كبيرة من الدولار التي يتطلبها استيراد المحروقات من السوق والتخوف من أن لا يعد السعر مرتبطاً بالعرض والطلب فقط، انما بالندرة هو “أمر مبالغ به”، من وجهة نظر مارديني. فـ”الاستهلاك الهائل للمازوت والبنزين في لبنان في الأعوام الماضية (7.2 ملايين طن بقيمة 4.5 مليارات دولار في العام 2019. و6 ملايين طن بقيمة 2.5 مليار دولار في العام 2020) مبالغ به. وقد ذهب جزء كبير منه الى التخزين والتهريب. من هنا فان الطلب سيتراجع بوتيرة كبيرة وستتراجع معه الحاجة إلى الدولار النابعة من الحاجة إلى المحروقات”. من جهة ثانية يعتبر مارديني أنه “كلما استعمل المصرف المركزي احتياطياته من العملات الأجنبية على الدعم وتمويل التجارة الخارجية كلما انخفض حجم الاحتياطي وارتفع سعر صرف الدولار نتيجة تراجع الثقة بالعملة الوطنية. لذا من المفترض ان يخفف الانتقال لشراء الدولار من السوق الموازية الضغط عن مصرف لبنان، ويحد من انهيار سعر الصرف”.

في انتظار ما ستحمله الأيام القادمة من تغيرات يبقى الأساس هو تحرير الأسواق من الدعم بشكل كلي. لانه طالما هناك فرق بين سعر الاستيراد وسعر السوق طالما السلع ستبقى عرضة للتلاعب والفقدان. واذا ما أريد لخطط رفع الدعم أن تنجح فعلى المسؤولين استتباعها بالاصلاحات التي تساعد على استقرار سعر الصرف.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن