بعد أكثر من شهر على إقرار قانون البطاقة التمويلية في البرلمان اللبناني، أطلقت وزارتا الاقتصاد والشؤون الاجتماعية هذه البطاقة بشكل رسمي، إذ بات بإمكان المواطنين وحتى منتصف تشرين الأوّل المقبل، تقديم طلب الحصول عليها عبر منصة impact التي ستدشّن رسمياً الأربعاء المقبل.
سيستفيد من هذه البطاقة وحسب ما يقول المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي، 500 ألف أسرة من أصل حوالي 750 ألفاً تحتاج إلى مساعدة انطلاقاً من دراسات لمنظمة العمل الدولية ودائرة الإحصاء المركزي في لبنان، وتوصّلت إلى نتيجة مفادها أنّ 74% من كلّ من يتقاضى دخلاً في لبنان بحاجة للمساعدة، في حين ستستفيد الـ 250 ألف أسرة المتبقية من برامج دعم أخرى.
ويشير أبي علي في حديث مع “المفكرة القانونية” إلى أنّه تمّ رصد حوالي 565 مليون دولار لهذه البطاقة تموّل حصّة منها من أموال صندوق النقد الدولي ضمن حقوق السحب، وحصة أخرى عن طريق قروض من البنك الدولي كانت مخصّصة لغايات أخرى. وكان وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية أشار أمس في إطلاق البطاقة إلى أنّه سيتم إعادة توجيه حوالي 300 مليون دولار من قرض البنك الدولي المخصّص لمشروع النقل والعمالة يُضاف إليها حوالي 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بلبنان SDR، التي يجيزها البنك الدولي للإنشاء والتعمير، لتمويل البطاقة.
وانطلاقاً من التمويل المرصود يشير أبي علي إلى أنّه سيتم تحديد 25 دولاراً ولمدّة عام لكلّ فرد من الأسرة المستفيدة من البطاقة شهرياً على شكل دولار جديد أو ما يعادل قيمتها على أساس سعر الصرف بالسوق الموازية وقت الدفع، مع اشتراط حد أقصى للأفراد المستفيدين في الأسرة الواحدة وهو 5 أفراد (الحد الأقصى للأسرة الواحدة 126 دولاراً شهرياً) بالإضافة إلى 15 دولاراً لكلّ أسرة تضمّ مسنّاً تجاوز الـ64 عاماً.
أمّا الـ 250 ألف أسرة والتي تدخل ضمن الأسر التي تحتاج إلى الدعم ولن تستفيد من البطاقة التمويلية، فهي ستستفيد إمّا من المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية (ESSN)والذي تبلغ قيمته 246 مليون دولار أميركي، ويموّله قرض طويل الأجل منخفض الفائدة من البنك الدولي يوفّر تحويلات نقدية وتيسير الوصول إلى الخدمات الاجتماعية النوعية لـ160 الف عائلة من اللبنانيين الذين يعانون فقراً مدقعاً، وإما من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً.
شروط التقديم والمستثنون
يستغرق ملء الاستمارة الموجودة على المنصّة المخصصة لتقديم طلب الحصول على البطاقة التمويلية 40 دقيقة تقريبا حسب ما يشر أبي علي إلّا أنّه بإمكان من لا يملك القدرة على تعبئتها التوجّه إلى أحد مراكز الخدمات الإنمائية والبالغ عددها 114 مركزاً في لبنان للتسجيل، كما ستساعد بعض المنظمات غير الحكومية المواطنين في ملء هذه الاستمارة.
ويحقّ لأي مواطن تقديم طلب الحصول على البطاقة مع اشتراط الموافقة على رفع السرّية المصرفية إلّا أنّه سيتم استثناء جميع أفراد الأسرة اللبنانية المقيمين حالياً في لبنان لفترة تقلّ عن 60 يوماً متواصلة في العام إلّا من هم دون سن 23 عاماً، فضلاً عن الأسر التي يفوق دخلها السنوي الإجمالي مهما كان مصدره مبلغ الـ 10 آلاف دولار أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، والأسر التي تفوق إجمالي ودائعها المصرفية المبلغ نفسه.
كما يستثنى من برنامج الدعم (البطاقة التمويلية) الأسر التي تدفع بدل إيجار سنوي يزيد عن 3500 دولار أميركي أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف في السوق الموازية والأسر التي تملك سيارتين أو أكثر مسجّلتين بعد العام 2018 يعود تاريخ صنعها للعام 2017 وما بعده.
ومن الصعب بحسب أبي علي تحديد التاريخ الفعلي لبدء الاستفادة من البطاقة إلّا أنّ الأمر قد يكون متاحاً بعد شهر ونصف الشهر أي بعد مهلة تقديم الطلبات. ولم يتم بعد تحديد طريقة الدفع، إلّا أنّ أبي علي قال إنّه من الممكن أن يجري ذلك عن طريق خدمة تحويل أموال.
هل تكفي الـ 25 دولاراً؟
تأتي البطاقة التمويلية في وقت يتّجه فيه لبنان إلى رفع الدعم نهائياً عن السلع الأساسية ولاسيّما المحروقات ما سيرفع كلفة العيش على المواطن الذي فقد أصلاً مع يقارب من 80% من قدرته الشرائية بسبب انهيار الليرة اللبنانية، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن مدى الدعم الذي يمكن أن يقدّمه المبلغ المرصود لكلّ أسرة، بخاصّة أنّ دراسة حديثة صادرة عن مرصد الأزمة في الجامعة الأميركة أشارت، وفقاً لمحاكاة لأسعار المواد الغذائية في النصف الأوّل من شهر تموز الماضي، إلى أنّ كلفة الغذاء بالحد الأدنى لأسرة مكوّنة من 5 أفراد أصبحت تقدّر شهرياً بأكثر من 3,500,000 ليرة لبنانيّة من دون احتساب كلفة المياه والغاز والكهرباء والتي سترتفع مع رفع الدعم.
وفي هذا الإطار يشير الباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان إلى أنّ البطاقة التمويليّة ليست سوى “بحصة تسند خابية” ولن تعوّض بطبيعة الحال الخسارة التي مني بها اللبناني منذ بداية انهيار سعر الليرة اللبنانية، إلّا أنّها كآلية دعم أفضل بكثير من آلية الدعم التي كانت معتمدة سابقاً والتي تكلّف 6 مليارات دولار سنوياً من غير أن يصل الدعم إلى مستحقيه.
ويلفت فكراجيان في حديث لـ “المفكرة” إلى أنّ سياسة الدعم السابقة أدّت إلى خسارة الاحتياطي من العملات الأجنبية في المصرف المركزي ما تسبّب بدوره بأن تخسر الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها بسبب عمليات طبع الليرة بهدف الدفع للمودعين باللبناني بدلاً من أموالهم الموضوعة بالدولار والتي كانت تموّل سياسة الدعم، مشيراً إلى أنّ كلفة البطاقة والتي ستكون حوالي نصف مليار دولار مقبولة مقارنة بـ الـ 6 مليارات التي كانت تدفع على الدعم سنويا.
وفي حين يصف فكراجيان البطاقة التمويلية بالـ “ترقيع” يؤكّد أنّ الحل يبدأ من معالجة أساس المشكلة وهو سعر صرف الليرة مقابل الدولار وبطريقة جدية عبر انشاء مجلس نقد يثبت سعر الصرف، لافتاً إلى أنّ حصول العائلة على 100 دولار سيساعدها على تغطية جزء صغير من خساراتها وسيضمن استفادتها من الدعم ولكنه بالتأكيد ليس حلاً.
في السياق نفسه يرى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أنّ إقرار البطاقة التمولية هو بمثابة حبّة “البنادول” لمريض في حال خطرة إلّا أنّها أفضل من لا شيء ومن آلية الدعم السابقة، معتبراً أنّ السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه أيضاً ماذا بعد مرور عام وهو مدة الاستفادة من البطاقة.
ويذكّر حبيقة في حديث مع “المفكرة” بأنّ تمويل البطاقة هو أيضاً عبر قروض وليس هبات أي أنّها ديون ستتراكم على لبنان.
قاعدة البيانات والاستنسابية
لم يتمّ تحديد المستفيدين من هذه البطاقة انطلاقاً من أي قاعدة بيانات مسبقة كما يؤكد أبي علي، مشيراً إلى أنّ المنصة المخصّصة لتقديم طلبات الاستفادة من البطاقة هي التي ستحدّد وبشكل تلقائي إلكتروني إن كان الشخص المقدّم ضمن المؤهلين أو غير المؤهلين للاستفادة من هذه البطاقة.
وفي حين يلفت أبي علي إلى أنّ عمليّة التأكد من المعلومات والمراقبة سيقوم بها بشكل أساسي التفتيش المركزي فضلاً عن البنك الدولي وعدد من الجهات الأمنية والمجلس النيابي بطبيعة الحال، يشير إلى أنّ الآلية المعتمدة في موضوع تطبيق البطاقة التمويلية إلكترونية بجزئها الأكبر أي أنّه لا يوجد بها تدخّل بشري، فكلّ العملية ستكون ضمن آلية تطبق على أساس نظام معقد مشبوك مع الأمن العام والمصرف المركزي ويعتمد معيار واحد، الأمر الذي يمنع الاستنسابية.
من جهته، يعتبر فكراجيان أنّ الأمر الوحيد الذي يمكن أن يضمن الشفافية ويبقي البطاقة التمويلية بعيدة عن الزبائنية في بلد مثل لبنان هو أن تكون لجميع المواطنين، فلا أحد يمكن أن يضمن أن تصل هذه البطاقة إلى كل من يجب أن يستفيد منها لأنّ تحديد المستفيدين قد يدخل كغيره من الأمور في لبنان في أزقة المحسوبيات السياسية أو الحزبية.
ويرى فكراجيان أنّ قائمة المستثنين من الاستفادة من البطاقة تحمل إجحافاً كبيراً، إذ كيف يمكن أن نعتبر من لديه حساب مصرفي محجوز عليه ويخضع لـ “هيركات” بمعدّل 80% وساهم في تمويل آلية الدعم السابقة، من غير المستحقين.