الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني: “دولرة” الرواتب والأجور هي الحل الوحيد لحماية المواطن اللبناني من انهيار إضافي بقيمة دخله
الأزمة في لبنان تتفاقم للأسف يوماً بعد يوم من دون وجود أي بوادر او بصيص أمل للحلحلة، والأسعار ترتفع بشكل مخيف في ظل انتشار ما يمكن تسميته بالتضخم الجامح، والعملة تفقد قيمتها وقدرتها الشرائية في ظل الارتفاع المتواصل لسعر الدولار. فما الحل؟ وهل “دولرة” رواتب موظفي القطاع الخاص والعام ممكنة في الوقت الراهن؟ وما أهميتها للمواطن؟ وبالتالي من يعرقل عملية تطبيقها؟
“الأفكار” التقت رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني وجاءت بالتحقيق الآتي:
مارديني والدولرة
بداية حدثناً عن الواقع الحالي للرواتب والأجور ولقيمة العملة الوطنية في ظل الأزمة الحالية؟
– من المؤسف ان هناك انهياراً كبيراً بالقدرة الشرائية للرواتب والأجور المعتمدة بالليرة اللبنانية، حيث ان الراتب الذي كانت قيمته وقدرته الشرائية سابقاً قبل الازمة تعادل 2000$ باتت حاليا تقارب الـ 100$، أي ان الرواتب والأجور انخفضت قيمتها عشرين ضعفاً بسبب انهيار الليرة. فهذه الأزمة النقدية تختلف كلياً بمضمونها وتداعياتها عن الأزمة المصرفية، لكونها تتعلق بالقدرة الشرائية ولعبت دوراً كبيراً بإفقار الشعب اللبناني، وللأسف السلطة تتناسى الأزمة النقدية وتسعى لمعالجة الأزمة المصرفية.
*- في سياق حديثك أشرت الى موضوع “دولرة” الرواتب والأجور، فهل من الممكن تطبيقها حالياً؟
– يمكن “دولرة” الرواتب والأجور إذا تمـّت “دولرة” الأسعار والعقود. إنّها النقطة الأساسية في هذا الموضوع، حيث إنه لن يكون بمقدور الدولة أو الشركة أو المؤسّسة التسديد بالدولار، إذا كانت لا تقبض بهذه العملة، لكن ستنتج عن ذلك مشكلات كثيرة، وستترتّب عليه أكلاف باهظة بغياب التوازن بين الإيرادات والنفقات.
*- على أي أساس او وفقاً لأي آلية ستتم “الدولرة”؟
– بالنسبة لآلية التطبيق فلا بدّ أوّلاً من: السماح للشركات باعتماد التسعير على أساس الدولار أسوة بالقطاع السياحيّ. ويجب تعميم هذه التجربة على باقي القطاعات. وعندما تستوفي الشركات بالدولار، يتوّجب عليها في المقابل تسديد الرواتب والأجور للعاملين فيها به. وبالتالي يسري الأمر على عمليّة تسديد الضرائب والرسوم بالدولار ممّا يسمح للدولة بدولرة الرواتب التي تدفعها.
وثانياً، من المفترض تحويل عقود الشركات مع الموظفين إلى الدولار، كما العقود التي هي بين الشركات. هنا، نكون قد وجدنا الحلّ للمداخيل والمصاريف فيما تبقى مشكلة الأموال الموجودة في الحسابات المصرفية بالليرة، والتي هي موجودة نقداً في السوق ولدى المواطنين. ويأتي دور مصرف لبنان المفترض به أن يقوم بشراء هذه الأموال، سواء تلك التي هي قيد التداول بالليرة أو التي هي موجودة في حسابات المصارف، ليتمّ تلفها في ما بعد. من المعلوم أن هذا لا يكلّف سوى 3 أو 4 مليارات دولار”.
العوائق وطرق المعالجة
*- هل من مشاكل معينة قد تقف عائقاً امام الدولرة؟
– إن المشكلة الوحيدة هي في السعر الذي ستتمّ “الدولرة”على أساسه. وهنا لا بد من التنويه بأهمية دور الخبراء التقنيّين الذين يتمّ تكليفهم بإعداد دراسات يحدّدون على أساسها السعر المعتمد؛ سعر السوق الحرّ، سعر منصّة صيرفة أم أيّ سعر…؟
وتابع مارديني قائلاً: للأسف، لقد تمّ التفريط بالعملة الوطنية مع كلّ الانهيار الذي نعيش فيه. فعن أيّ عملة وطنيّة نتحدّث عندما تخسر أكثر من 95 في المئة من قيمتها، خصوصاً إذا كان الهدف لا يزال خدمة الشعب اللبناني. اليوم، أصبحت هذه العملة وسيلة من أجل تفقير الشعب اللبناني، ولم تعد تقوم بدورها الوطنيّ المطلوب، ممّا يعني وجوب الخروج منها من الناحية الإخلاقية أقلّه.
*- ولكن في حال تمت “دولرة” الرواتب، الا يعني ذلك الترك الكلي للعملة الوطنية والاستغناء التام عن التعامل بها؟
– هناك العديد من الدول ترك عملته الوطنية واعتمد عملة أخرى، كمثل دول الاتحاد الأوروبي؛ ففرنسا تخلّت عن الفرنك، وإيطاليا عن الليرة، وألمانيا عن المارك وغيرها… . واليوم يُعتبر اليورو من أكثر العملات تداولًا في جميع أنحاء العالم، وثاني أكبر احتياطي عملة بعد الدولار الأميركي، وتَستخدم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عملة اليورو باستثناء الدنمارك والسويد والمملكة المتحدة، وتَستخدم مؤسّسات الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء عملة اليورو كعملة رسميّة لها مثل جمهورية كوسوفو، بعدما بدأ تداول اليورو في العالم في العام 1999.
*- بعيداً عن المشاكل التقنية وقريباً من الواقع هل تعتقد ان “دولرة” الرواتب والأجور ممكنة التطبيق حالياً في لبنان؟أي بمعنى آخر هل هناك نية او قناعة تامة لدى المعنيين لاتباع طريقة الدولرة؟
– “دولرة” الرواتب والأجور هي الحل الوحيد لحماية المواطن اللبناني من انهيار إضافي بقيمة دخله. لأننا سنشهد انهياراً متواصلاً بقيمة الرواتب في حال لم يتم دولرتها. إذ يمكن بالتأكيد “دولرة” الرواتب والأجور، ولكن من يعرقل التطبيق هو الحكومة اللبنانية وبالتحديد وزير الاقتصاد (امين سلام) الذي يعتبر حجر عثرة بوجه انقاذ الشعب اللبناني لكونه يرفض دولرة القطاعات الاقتصادية ولا يسمح للشركات التسعير بالدولار. فالحل يكون بـ”دولرة” الأسعار ودولرة مداخيل الشركات التي ستدفع حكماً في حال الدولرة رواتب موظفيها كما الضرائب بالدولار مما يتيح عندها فرصة “دولرة” رواتب موظفي القطاع العام. فـ”الدولرة “هي طوق نجاة للمواطن اللبناني.