يسجّل سعر صرف الدولار في السوق الحرة أعلى مستوياته في الآونة الأخيرة، منذ بداية الأزمة، ممّا يزيد التساؤلات عن السقف الذي سيقف عنده الدولار، إلاّ أن لا رقم محدّداً له بحسب الخبراء الاقتصاديين، طالما أنّه ليس هناك أيّة حلول جديّة مطروحة. لكن إقرار الموازنة العامة مطلعَ الأسبوع الفائت المترافق مع إقرار رفع رواتب القطاع العام سيزيد الطين بلّة – إذا صحّ التعبير – على اللبناني.
إن تداعيات الموازنة العامة الشكلية، ونحن على مقربة من انتهاء العام ٢٠٢٢، والضرائب التي تحملها، كما زيادات القطاع العام، ستأتي بتداعيات سلبية على القدرة الشرائية وأسعار السلع ف سعر الصرف. إن ارتفاع الأخير سببه المباشر وَفق ما بات معلوماً هو طباعة الليرة. وإن تمويل رفع الرواتب العامة الذي أُقِر طليعة الأسبوع، سيتمّ من خلال زيادة الطباعة، فلا مصادر تمويل أخرى فعلياً، وهذا ما سيُسبّب حتماً تأزّمَ الأمور وجنون سعر الصرف.
إن قانون النقد والتسليف اللبناني يضع قيوداً على طباعة الليرة. ففي مادته الـ٦٩ يُلزِم البنك المركزي بتغطية ٥٠٪ من النقد الوطنيّ، إنّما الحاصل هو اتّساع الفجوة المالية ما بين الطلب في السوق اللبنانيّة لتغطية الاستهلاك، وهو نحو ٦٠٠ مليون دولار، وبين العرض الذي لا يتجاوز الـ١٢٠ مليون دولار تقريباً، ممّا يدفع عملياً المصرف المركزي إلى طباعة الليرة أكثر لتغطية الفارق، وسيؤدي إلى ارتفاع التضخم.
تحدّثنا مع الخبير الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسة السوق “كاربيد فكراجيان”، فأوضح لنا بعض الأمور حيال سعر الصرف وتأثير رفع رواتب القطاع العام، كذلك فاعلية الموازنة، بالقول إن الارتفاع غير المسبوق للدولار ووصوله لأعلى المستويات حتى الساعة، أي “تراند” الارتفاع لسعر الصرف، مرتبط بالكتلة النقدية؛ فكلّما كانت الأخيرة متوافرة بشكل أكبر ازداد الطلب على الدولار، ممّا يسبّب انخفاضَ قيمة الليرة مقابل الدولار.
وإن طباعة الأموال الحاصلة لها أسباب مختلفة، فأولاً لتمكين اللبنانيين من سحب أموالهم بحسب تعاميم مصرف لبنان، وثانياً لتغطية نفقات الحكومة لكون الاقتصاد مشلولاً ومردود الضرائب ضئيلاً، إضافة لسبب غير مباشر هو الخسائر التي يشهدها احتياط المصرف المركزيّ جراء الدعم ومنصة صيرفة.
على هذه الوتيرة إن ارتفاع وانخفاض سعر الصرف المشهود سيبقي تراند الارتفاع تصاعديّاً، لكن الأرقام نراها مفاجئة بسبب انهيار الليرة الكبير.
إن وقف طباعة الأموال يحدّ من زيادة سعر الصرف للدولار غير أن الاستكمال في الطباعة سيوصل الدولار إلى “اللا سقف”، خصوصاً أن عملية طباعة الليرة ستُستكمل، ولن تتوقّف لتلبية الزيادة المقرّة للقطاع العام. وبحسب “فكراجيان”، إن معاشات القطاع العام بعد الزيادة مقارنةً بالدولار سوف تصبح أقلّ، بعد فترة، ممّا هي عليه اليوم، لأن التضخم سيأكلها؛ والمفارقة هي تأثير هذه الزيادة على الشعب اللبناني أجمع وضعف القدرة الشرائية لديه، فالانهيار الأكبر.
وعن الموازنة الذي أتت خارقةً جميع المهل الدستورية، يقول السيد “كاربيد”، إنّها غير ناجحة عملياً على صعيد الحساب وحماية الأموال، كما أن اعتماد رفع الضرائب فيها سوف يخنق المواطنين وأرباب العمل، وسيفتح باب التهرّب الضريبي وصعوبة الجباية، بالرغم من أنّها بُرّرت من قبل لجنة المال والموازنة بأنّها الأقرب واقعياً لناحية العجز الحكوميّ المشهود.