أصبحت مصطلحات “التضخم” و”انهيار العملة” مألوفة لدى اللبنانيين منذ بداية الأزمة حتى اليوم، لتكرارها بشكل مستمر، وأصبحت أمراً واقعاً وجزءاً من يومياتهم. وقد أضيف إليها منذ فترة تعبير “التضخم المفرط” في معرض مقارنة الوضع المالي في لبنان بمثيلاته في زمبابوي وفنزويلا وغيرها من الدول التي سبقتنا في هذا المضمار. فهل دخل لبنان فعلاً مرحلة التضخم المفرط؟ وهل من مخرج من هذا النفق؟
في معرض الإجابة على هذه الأسئلة، يؤكد الخبير الاقتصادي د.بارتيك مارديني أنها “ليست المرة الأولى التي يعاني منها لبنان من التضخم المفرط، الذي يعني من الناحية التقنية وجود نسبة تضخم تفوق الـ50% شهرياً، ولأكثر من شهر متتالٍ. وأياً يكون الحال، فإن سرعة انهيار سعر صرف الليرة تشكل مؤشراً على درجة التضخم في لبنان.”
طباعة الليرة
أما السبب الأساسي لزيادة التضخم في لبنان، فهو كما بات معلوماً، طباعة الليرة، التي يسارع المستهلكون إلى تبديلها بالدولار، أو يشترون سلعاً يتم استيرادها من الخارج، الأمر الذي يخلق ضغطاً على العملة الخضراء، ويؤدي إلى ارتفاع سعر صرفها. ويعود ضخ الليرة في الأسواق، بحسب مارديني إلى سببين: أولهما إقرار موازنة 2022 التي تتضمن نسبة معينة من العجز، الذي يعني أن الحكومة مضطرة للصرف أكثر من مداخيلها الضريبية، وقد اختارت تمويل هذا العجز عن طريق طباعة الليرة، خاصة بعد تخلف الحكومة اللبنانية عن سداد سندات “اليوروبوند”، الأمر الذي يعني امتناع الأسواق المالية عن تقديم الديون للحكومة.”
أما السبب الآخر للتضخم، فهو الديون الهائلة على القطاع العام، لا سيما المصرف المركزي المدين للمصارف التجارية بحوالي 70 مليار دولار، ولا يملك هذا المبلغ. بالتالي فقد لجأ إلى خيار طباعة الليرة لإعادة الديون بالعملة المحلية، والسماح للمودعين بسحب ودائعهم بالليرة اللبنانية.
العلاج
أما العلاج المنطقي لهذه الظاهرة في بلد كلبنان يعاني من “رمال متحركة سياسية وأمنية” إضافة إلى خسارة مصداقية المصرف المركزي والقطاع المصرفي برمته، فيتمثل، بحسب مارديني، في إنشاء “مجلس نقد”، الذي يمنع السلطة النقدية من طباعة ليرة غير مغطاة باحتياطي الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى توازي الطلب بين الليرة والدولار، وإيقاف انهيار سعر الصرف في مهلة توازي الشهر.
أما الحل الآخر، فهو يتمثل في الاستغناء الكامل عن الليرة واللجوء إلى “الدولرة”، وبالتالي فإن ثبات الأسعار والرواتب من شأنه مكافحة التضخم.
حلول وخيارات “أحلاها مر” سواء بالنسبة إلى الدولة أو المواطنين. ولكن تداخل الاقتصاد بالسياسة، يمنع السلطة من اتخاذ إجراءات “جراحية” خوفاً من نتائجها السلبية في الشارع، رغم إيجابيتها المحتملة على المدى المتوسط والطويل.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع حدث