بقلم: البروفيسور ستيف ه. هانكي،
أستاذ الاقتصاد التطبيقي في معهد جونز هوبكنز
بصفتي المؤسس والمدير المشارك لمعهد جونز هوبكنز للاقتصاد التطبيقي والصحة العالمية ودراسة المشاريع التجارية، يسرّني أن أعلن عن إنشاء فريق العمل الخاص بلبنان. وقد انضم إليّ صديقان خبيران ذائعا الصيت شاركا في معالجة العديد من الأزمات المالية الدولية والتصدّي لها. وأول هذين الخبيرين هو جاك ديلاروزيير الذي شغل في مسيرته المهنية وظائف عدة أبرزها وظيفة المدير العام لصندوق النقد الدولي وحاكم بنك فرنسا ورئيس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. وأما الخبير الثاني، فهو جون غرينوود، كبير الاقتصاديين في شركة إنفيسكو بلندن والزميل في معهد جونز هوبكنز للاقتصاد التطبيقي ومصمم مجلس النقد في هونج كونج (1983). أما ثالثنا، فهو محدثكم (ستيف هانكي) أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز ومصمم مجالس النقد في كلٍّ من إستونيا (1992) وليتوانيا (1994) وبلغاريا (1997) والبوسنة والهرسك (1997).
وقد تمّ نشر عملنا العلني الأوّل المتضمن حلنا المقترح للأزمة الاقتصادية في لبنان في صحيفة وول ستريت جورنال: “يمكن للبنان الاستفادة من مجلس النقد“.
ويُعتبَر لبنان غارقاً بشبكة من الأزمات الاقتصادية والسياسية اللامتناهية. ويتمثَّل لبّ هذه الأزمات في أزمة الليرة التي اندلعت في تشرين الأول 2019 عندما انهار نظام تثبيت سعر الصرف المتّبَع من المصرف المركزي لمدة 22 عاماً على سعر صرف 1507.5 ليرة للدولار الأميركي. وبحلول تموز 2020، كان لبنان قد تخلف عن سداد ديونه السيادية وغرق في دوامة من التضخم المفرط. واليوم، لا يزال لبنان محوطاً بالتجاذبات السياسية الّتي عطّلت دوامة التقدم في البلاد وأدخلتها حالةً من الموت السريري مع فقدان الليرة اللبنانية 86% من قيمتها مقابل الدولار منذ اشتعال فتيل الأزمة، في حين يزداد معدل التضخم في الارتفاع الجنوني ليصل إلى 295% سنويّاً.
ويقف مصرف لبنان في قلب العاصفة ببرنامج الدعم المهول الذي يدير. فهو يسمح للمستوردين المؤهلين بشراء الدولارات من احتياطي المصرف المركزي بحسم 88% على سعر السوق السوداء. ثمّ يُعاد تصدير معظم الواردات المدعومة أو تهريبها إلى خارج لبنان، وبيعها بما يقارب ثمانية أضعاف ما يدفع المستوردون مقابلها، ما يعني أن هؤلاء المستوردين يكنزون ثرواتهم ويملؤون جيوبهم بينما يستنزفون احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.
ويتمثل مقترح فريق عمل جونز هوبكنز المهتم بالشأن اللبناني في ما يلي:
“إن مجلس النقد هو الخيار الوحيد الذي من شأنه إيقاف أزمة الليرة اللبنانية على الفور. ويصدر مجلس النقد الأوراق النقدية والعملات المعدنية القابلة للتحويل غب الطلب إلى عملة احتياط أجنبية بسعر صرف ثابت. ويستدعي مجلس النقد الاحتفاظ باحتياطيات من هذه العملة يساوي 100% من مطلوباته النقدية.
ولا يتمتع مجلس النقد بسلطات نقدية استنسابية ولا يمكنه إصدار قروض، فهو يضطلع بسياسة سعر صرف دون أن تكون لديه سياسة نقدية. وتتمثل وظيفة المجلس الوحيدة في تبادل العملة المحلية التي يصدرها مقابل عملة احتياط بسعر صرف ثابت. وبهذا، تكون عملة مجلس النقد نسخة من عملة احتياطه.
ولا يتطلب مجلس النقد أية شروط مسبقة، بل يمكن إنشاؤه بسرعة وفي وقت قياسي. ولا تحتاج مالية الحكومة وشركات القطاع العام والتجارة إلى إجراء أيّ إصلاح قبل أن يتمكن مجلس النقد من إصدار النقود. وقد باتت مجالس النقد هي ترتيب الصرف المتّبع في حوالي 70 دولةً حول العالم، دون أن يتعرّض أيٌّ منها للفشل على مرّ التاريخ.”
وفي الواقع، نجح مجلس النقد في هونج كونج في مواجهة العديد من الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد فضلاً عن أزمتها السياسية الحالية، وما زال يعمل على أكمل وجه. وقد تم إنشاء مجالس النقد في إستونيا وليتوانيا وبلغاريا والبوسنة والهرسك في خضم أحلك الأزمات، وقد قضت بدورها عليها على الفور واستمرت في تحقيق أداء متميز، وكلها معترف بها بتقييمات إيجابية للغاية صادرة عن صندوق النقد الدولي.
ويكمن السبيل الوحيد لإنهاء كابوس لبنان الاقتصادي في إنشاء مجلس نقد. وفي حين قد لا يكون الاستقرار كل شيء، إلّا أنّ أي شيء لا يمكن تحقيقه بدونه.