1- تراكم الغرامات. عقدت وزارة الطاقة صفقة لتأمين المحروقات لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، ولكن لا تزال البواخر المحملة بالفيول أويل والغاز أويل راسية منذ أسبوعين قبالة الشاطئ اللبناني بسبب عدم فتح الاعتماد لهذه النفقة. ونتيجةً للتأخر في التمويل، تتكبد الجهة الشارية غرامات بقيمة 18 ألف دولار عن كل يوم تأخير لكل من البواخر الأربع، أي ما قيمته 72 ألف دولار يومياً.
2- من يتحمل مسؤولية تأخر التمويل؟ أجرت وزارة الطاقة مناقصة لاستيراد المحروقات، إلّا أنّها أخطأت في توقيعها للعقد قبل فتح الاعتماد. إذ تنص المادة 57 من قانون المحاسبة العمومية على ألا تُعقَد الصفقة إلا إذا توفر لها اعتماد. وقد كان من الأجدى عدم التوقيع مع الجهة الفائزة حتى فتح الاعتماد، أو إلغاء المناقصة في حال لم يُؤَمَّن الاعتماد، بدل توقيع العقد ومراكمة الغرامات. والخطأ الثاني الذي وقع فيه الوزير هو عدم تحديد تواريخ منطقية للتسليم. إذ وقّع الوزير العقد مع الفائز في 13 كانون الأول وطلب التسليم بين 15 و30 كانون الأول علما أنّه ينبغي توفر الاعتماد قبل 10 أيام على الأقل قبل التسليم، لا يومين فقط، فكيف يكون الحال اذا لم يتوفر التمويل. ويعيد هذا الملف إلى الأذهان شبهات المحاباة التي عادة ما تحوم حول صفقات المحروقات بحيث يقدم العارض “المدعوم” أرخص عرض ليفوز بالمناقصة ثم تتعمد الجهة الشارية التأخر بفتح الاعتماد لمراكمة الغرامات على الدولة اللبنانية.
3- من يتحمل كلفة الغرامات؟ تنص المادة 112 من قانون المحاسبة العمومية على أن “الوزير مسؤول شخصيا على أمواله الخاصة عن كل نفقة يعقدها متجاوزا الاعتمادات المفتوحة لوزارته مع علمه بهذا التجاوز، وكذلك عن كل تدبير يؤدي إلى زيادة النفقات التي تصرف من الاعتمادات المذكورة إذا كان هذا التدبير غير ناتج عن أحكام تشريعية سابقة”. من هنا، وبحسب القانون، ينبغي على الوزير، لا الخزينة، تحمل كلفة الغرامات من ماله الخاص.
4- التمويل من البنك الدولي. عرض البنك الدولي على لبنان تأمين التمويل اللازم لزيادة ساعات التغذية وتخفيض كلفة الإنتاج عبر استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ولكنه اشترط: (أ) رفع التعرفة حتى يتمكن لبنان من تغطية كلفة الاستيراد وسداد ثمن غاز مصر وكهرباء الأردن و (ب) تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء لضمان حوكمة رشيدة للقطاع. وبالفعل، فقد زادت الوزارة من تعرفة الكهرباء مؤخرا، إلا أنها امتنعت عن تعيين أفراد الهيئة الناظمة، مبتكرةً ذرائع ذات طابع طائفي هدفت بالمقام الأول إلى الاستمرار في مصادرة صلاحيات الهيئة والتصرف في القطاع دون رقيب أو حسيب. وقد ظهر ذلك جليا بطرح الوزارة تعديل القانون بشكل يؤدي إلى نشوء هيئة ناظمة صورية مفرّغة المضمون.
5- التمويل من حقوق السحب الخاصة. وللتغطية على فشلها بإتمام الاتفاق مع البنك الدولي، لجأت الوزارة إلى طلب التمويل بالدولار من الخزينة، وتحديدا من حقوق السحب الخاصة التي أودعتها الحكومة اللبنانية في مصرف لبنان. وقد اعتادت الوزارة في الماضي “تشليح” البنك المركزي دولاراته وحرقها على شراء الفيول، ما ساهم بشكل كبير في الفجوة المالية الحالية والأزمة التي وصل إليها لبنان. فإذا رفض المركزي التخلّي عن دولارات الفريش لشراء المحروقات، تقوم القيامة وتبدأ الحملات عليه ويتهم بقطع الكهرباء عن البلد؛ وإذا أذعن، يكون المركزي قد بدد أموال المودعين. وتكرر الوزارة اليوم النهج ذاته مع خصومها في سياسة.
6- التمويل من فواتير الكهرباء. يُفترَض أن تقوم المؤسسات ذات الطابع التجاري بتمويل مشترياتها عن طريق المداخيل التي تحصلها جراء بيعها لمنتجاتها. ولكن مؤسسة كهرباء لبنان تشذ عن هذه القاعدة، إذ لا تكفي فواتيرها المحصلة لتغطية كلفة شراء المحروقات، فتلجأ لتحميل الفاتورة للخزينة. ويعود فشل كهرباء لبنان في تغطية تكاليفها إلى الهدر التقني والسرقة (حوالي 40%) والتكاليف المرتفعة. ويمكن لوزارة الطاقة معالجة هذه المشاكل البنيوية عبر قطع الكهرباء عن المناطق ذات التحصيل المنخفض وبيع الكهرباء بالجملة إلى شركات توزيع (Electric Distribution Companies) بدل التعاقد مع مقدمي خدمات التوزيع.
7- البعد السياسي. ولا شك في أن لهذا الملف أبعاداً مرتبطة برغبة رئيس الحكومة إصدار مرسوم لدفع السلفة من خلال جلسة لمجلس الوزراء يحضرها وزير الطاقة المقاطع لهذه الجلسات. ولكن وزير الطاقة وقع في الفخ عندما عقد النفقة قبل إنجاز فتح الاعتماد. فهل تكون الأزمة الحالية مدخلاً لوقف نهج مخافة الوزراء لقانون المحاسبة العمومية، أم تنتهي كالعادة بتسوية تضمن تمويل الخزينة لشراء المحروقات وتكون نتيجتها الإطاحة بالهيئة الناظمة والإصلاح والتمويل الخارجي؟