ممارسات غريبة على “المنصة” بطلب من السياسيين وتواطؤ مصرف لبنان دولار “صيرفة” لموظفي القطاع العام من جيوب المودعين… “المركزي” يلعب ادواراً لوزارتي المالية والشؤون الإجتماعية

ممارسات غريبة على “المنصة” بطلب من السياسيين وتواطؤ مصرف لبنان  دولار “صيرفة” لموظفي القطاع العام من جيوب المودعين… “المركزي” يلعب ادواراً لوزارتي المالية والشؤون الإجتماعية

تصف الصيدلانية سارة المولى التي تعمل في أحد المستشفيات الحكومية، منصة صيرفة بأنها “إحدى الوسائل التي تمكّنها من الاستمرار”. بعد أن تلاشت قيمة راتبها البالغ 2.8 مليون ليرة (قبل الازمة)، بفعل ارتفاع دولار السوق السوداء. وتشرح لـ”نداء الوطن” ذلك بالقول “إن مضاعفة رواتب موظفي القطاع العام، والسماح لهم بسحبها وفق دولار المنصة، وتصريفها لاحقاً وفقاً لسعر السوق، يزيد رواتبهم بشكل مقبول”، مشيرة الى ان راتبها الاساسي لم يعد يكفيها للذهاب إلى العمل”.
حال سارة كحال 320 ألف موظف في القطاع العام بين عسكري ومدني، تآكلت أجورهم بسبب الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة ( نحو 96% منذ بداية الأزمة) مقابل الارتفاع المستمر في سعر دولار السوق السوداء. وكانت دراسة أعدتها “الدولية للمعلومات” العام الماضي أظهرت أن أجور العاملين في لبنان أصبحت من بين الادنى في العالم. لكن في الميزان المالي والاقتصادي فان “صيرفة” تصنّف بين المحاولات المستمرة “لتركيب طرابيش من قبل حاكم مصرف لبنان بالاتفاق مع السياسيين، على حساب أموال المودعين اللبنانيين”، على حد تعبير مصدر مالي لـ”نداء الوطن”.
إستمرار في السياسة “القاتلة” نفسها
يصف المصدر عينه ما يحصل “بأنه مجزرة مالية نقدية لم يشهد لها مثيلاً مطابقاً أيُّ بلد في العالم. إذ لم تُنشأ في دولة في العالم منصة يديرها البنك المركزي لتعزيز القدرة الشرائية للموظفين. فمصرف لبنان يلعب ادواراً ملتبسة وخاطئة (وسياسية) بعيدة عن دوره الاول والأخير في السياسة النقدية فقط. فمن خلال المنصة، يلعب البنك المركزي دوراً في السياسة المالية بفعل تواطؤ السياسيين، حفاظاً على مصالحهم، ومصالح أتباعهم الموجودين في إدارات الدولة”. وهو بذلك يكرر نفس الاخطاء القاتلة التي كانت بين ابرز اسباب الازمة. فمن خلال دعم سعر الصرف تاريخياً (على مدى اكثر من ربع قرن) كان الداعم للاسعار بشكل غير مباشر، ثم خلال الازمة مارس دعم السلع، وابتدع “المنصة” لدعم سعر الصرف مرة أخرى لفئات معينة. وهنا نتحدث تحديداً عن موظفي القطاع العام الذين يجب ان تدعمهم الدولة من الميزانية العامة، وليس من اموال المودعين. فما يحصل عليه الموظفون من قدرة شرائية اضافية (بفرق سعر الدولار الذي توفره المنصة) هو من صميم عمل وزارة المالية او وزارة الشؤون الاجتماعية وليس البنك المركزي. فالوزارتان المذكورتان تحددان الفئات الاكثر هشاشة وتدعمها من ايرادات عامة معينة تجبى لهذا الغرض تحديداً كي لا يبقى الحبل على غاربه. والأغرب في الأمر يظهر في المقارنة: أن ابسط قواعد العدالة الاجتماعية المطبقة في الدول الرأسمالية هي ان هناك ايرادات تجبى من الأكثر قدرة لمساعدة الاقل قدرة، اما ما يحصل في لبنان فهو من جيوب المودعين وبشكل أعمى لا يميز بين مودع صغير او كبير، بين مودع يستطيع التحمل وآخر لا يستطيع.
على صعيد الخسائر التي يسجلها مصرف لبنان في ميزانيته جراء فارق السعر بين دولار يشتريه من السوق الموازية ثم يضعه بسعر اقل على المنصة، فهي عبارة عن خسائر مما تبقى من اموال المودعين. وعلى الدولة تعويضها بشكل او بآخر، لأن قانون النقد والتسليف ينص على ان خسارة البنك المركزي تغطيها الدولة. واذا كنا نتحدث اليوم عن خسائر بنحو 75 مليار دولار، فجزء كبير من تلك الفجوة الهائلة يعود الى ممارسات الدعم بشكل مباشر او غير مباشر، في سياق دور تولاه مصرف لبنان، او تحديداً رياض سلامة، نيابة عن السياسيين وبطلب منهم احياناً، او ارضاء لهم في كثير من الاحيان.
كان عليه ألّا يطبع تريليونات الليرات
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ”نداء الوطن” أن “الاموال التي يضخها المركزي في “صيرفة” سواء أكانت لموظفي القطاع العام أو لآخرين، هي أموال المودعين وتزيد خسائرهم وتكبّر حجم الفجوة المالية سواء للمصرف المركزي أو المصارف الخاصة”.
يضيف: “منذ 3 سنوات يدور النقاش حول كيفية معالجة الخسائر، وفي الوقت نفسه تزداد هذه الخسائر بسبب هدر الاموال عبر المنصة”. شارحاً أن “الهدف من استمرارها لموظفي القطاع العام، هو إعطاء “زيادة” مبطنة لهم لأن الميزانية العامة لا تسمح بذلك، ويتم دفعها من أموال المودعين. كما أنها طريقة تسمح للبنك المركزي بالدخول إلى السوق لشراء (او طبع) ليرات وضخ دولار بدلا منها (ثم العكس)، لتأمين نوع من الاستقرار (الموهوم ربما؟) بسعر صرف الليرة من وقت لآخر”.
يرى مارديني أن “هذه السياسة خاطئة. لأنه من غير المنطقي أن يتدخل المركزي في السوق، لضخ دولار وشراء ليرة. وكان من المفترض به من الاساس، أن لا يعمد إلى طباعة هذه الكميات من الليرات”. مشدداً على أن “الفائض الموجود بالعملة اللبنانية سببه المغالاة بالطبع. ولذلك يتدخل المركزي من حين لآخر لسحب هذا الفائض، وهذه سياسة سيئة. لأنه حين يضخ ليرات في السوق يرتفع دولار السوق السوداء تلقائياً، وحين يعاود شراء هذه الليرات فإنه يخسر دولاراته أي دولارات المودعين”.
ويعتبر أنه “من المحبذ ألا يتدخل المركزي على منصة صيرفة. وعدم ضخ المزيد من الدولارات من خلال التوقف عن طباعة الليرة، وبهذا يتم حل جزء من المشكلة. أما زيادة رواتب الموظفين، فليس مسموحاً لأي دولة أن تمنح زيادات لقطاعها العام، من اموال لا تملكها ولا يحق لها التصرف بها. علماً ان هذا السلوك أدى إلى وقوعنا بالازمة وهو مستمر بنفس النهج”.
بُعد إجتماعي… وتوحيد أسعار الصرف؟

يشرح خبير اقتصادي آخر لـ”نداء الوطن” أن “الهدف من إنشاء “صيرفة” التمهيد لتوحيد ثم تحرير سعر صرف الليرة كما يطلب صندوق النقد الدولي. ولكنها إلى الآن لم تتحول إلى منصة رسمية لسعر الدولار، لأنه لم يحصل إتفاق نهائي بين لبنان وصندوق النقد الدولي”. موضحاً أن “هذه الخطوة (التوقيع مع الصندوق) ستساعد على جذب العملة الصعبة إلى لبنان، والسيطرة بطريقة أو بأخرى على سعر صرف الدولار”.
يضيف: “بات لهذه المنصة بُعد إجتماعي، وعلى الحكومة القيام بهذا الدور. ويمكن أن تتحول إلى سوق قطع رسمي لليرة اللبنانية، عندما يتم التوقيع بين لبنان وصندوق النقد، وربما تعدّل هيكلتها أو مهماتها وآليات عملها”. موضحاً أن “أموال صندوق النقد ستكون لتمويل الموازنة، ومنها كلفة توحيد سعر الصرف. ومن المتوقع إذا تم التوقيع على البرنامج الاصلاحي مع الصندوق، أن تتأمن سيولة أكبر في السوق. عندها نتجه نحو السعر الحقيقي لليرة مقابل الدولار، وهذا أمر مهم”.
ويشدد على أنه “كلما طالت فترة الاعتماد على المنصة من دون إصلاحات، كلما زاد استنزاف موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية. وأيضاً تضاءلت قدرته على تأمين الدعم عبرها”.
ويختم: “سيدفع المواطن ثمن الغاء المنصة. صحيح أن البنك المركزي يتحمل الفروقات بين سعر السوق السوداء والمنصة من ميزانيته (أي أموال المودعين)، لكن تحميل المواطن كلفة فواتيره وفقاً لسعر السوق أمر يفوق قدراته”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن