يسيطر القلق على معظم شرائح المجتمع اللبناني بعد أن تضاعف سعر صرف الدولار مقابل الليرة خلال أول شهرين من العام 2023. وفيما تسود أجواء من الترقب للإجتماع المالي مطلع الأسبوع القادم وسط إنتشار أخبار عن توجّه المصارف لفك إضرابها، يسيطر التشاؤم على مستقبل سعر الصرف إذ يخيّل للكثيرين أن إمكانيات مصرف لبنان قد ضعُفت في مواجهة الإنهيار المتمادي لليرة ولقدرات اللبنانيين الشرائية.
أسئلة كثيرة ترافق الإنهيار المريع لليرة، للخبير الإقتصادي د. باتريك مارديني الذي أكد دور العامل النفسي في رفع سعر الصرف، معتبراً “إنه حان وقت إنسحاب مصرف لبنان من سوق القطع والضغط على الحكومة لإجراء الإصلاحات”.
هناك عاملين اساسيين ساهما في تضاعف سعر الصرف:
الخضة في القطاع المصرفي والمالي بشكل عام والتي تساهم في إنخفاض الثقة إن لجهة الدعاوى بحق المصارف أو الإشاعات التي تطال مصرف لبنان وردة فعل المصارف في إعلانها الإضراب، فكل هذا يجعل الناس يشعرون أننا ذاهبون نحو الخراب وبالتالي إذا كان أحد يملك الليرة يهرع لتحويلها إلى دولار.
في الشهر الأخير من العام 2022، تضاعف حجم الكتلة النقدية في التداول من 40 تريليون ليرة إلى 80 تريليون ليرة، علماً أنه عندما كان حجم الكتلة النقدية 40 تريليون ليرة، كان سعر الصرف 35 ألف ليرة.
ومن دون شك، هذه الطباعة لليرة يتم إستخدامها لشراء الدولار من قبل مصرف لبنان من عند الصيارفة وذلك لدعم إحتياطه، كما أن الناس عندما تصبح الليرة بين يديها تحوّلها إلى دولار. بمعنى آخر، تضاعف الكتلة النقدية ضاعف الطلب على الدولار.
هل سيستمر إرتفاع سعر صرف الدولار بهذه الوتيرة السريعة في الأيام المقبلة؟
على المدى المتوسط سيستمر الدولار بالإرتفاع، لكن هذا لا يعني أنه سيرتفع كل يوم بل من المتوقع أن يسجل إنخفاضات في الأيام القليلة الآتية وممكن ان يصل الى 75 ألف ليرة. وهناك عامل نفسي يؤثر على سعر صرف الدولار ومع تحسن الأوضاع أي مع حلحلة أزمة المصارف وفك اضرابها وإتخاذ بعض الإجراءات، قد يتحسن سعر الصرف. ولكن في حال ساء هذا العامل النفسي، فقد نشهد إرتفاعاً في سعر الصرف.
كما ان المسار التصاعدي للدولار مستمر إذا لم يحصل أي حلول وإذا إستمرينا بالنمط الذي نحن عليه حالياً، إذ يضطر مصرف لبنان إلى مد الحكومة بالسيولة لتغطية نفقاتها، خصوصاً انها لم تقم بعد بالإصلاحات لا سيما تخفيض نفقاتها للوصول إلى توازن مالي. كما أن المصرف المركزي يمد المصارف بسيولة ليتمكن المودعون من سحب ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية. وطالما لم تعالج الحكومة أزمة النفقات المترتبة للقطاع العام، وطالما لم نعيد التوازن إلى قلب القطاع المصرفي، سيبقى المصرف المركزي يمدهما بالليرة وسيستمر سعر الصرف بالإرتفاع إذ أن طباعة الليرة ستبقى مستمرة وستتحول إلى طلب.
ومن المهم التأكيد إننا في لبنان لا نعاني من أزمة شح بالدولار، إنما الأزمة هي أزمة فائض في الليرة.
هل الإنخفاض المتوقع في عجز الميزان التجاري في 2023 سيؤدي إلى إنخفاض في سعر الصرف؟
برأيي عجز الميزان التجاري لا يؤثر بشكل وازن على سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وبرأي هناك 3 عوامل أساسية تؤثر على سعر الصرف وتؤدي إلى إرتفاعه. وهذه العوامل هي: تضخّم الكتلة النقدية بالليرة، ضعف عامل الثقة، ضعف النمو الإقتصادي.
هل فقدت آليات مصرف فعالياتها في ضبط سعر الصرف؟
مصرف لبنان يستخدم الكثير من الآليات منها وضع سقوف على السحوبات وهذا نوع من الكابيتال كونترول، كما يقوم بضخ الدولار للجم إرتفاع سعر الصرف. وبرأيي مصرف لبنان لن يكون قادراً على ضخ المزيد من الدولار. أي أنه خسر هذه الوسيلة ولكنه يملك وسائل أخرى للتدخل لا يستخدمها حالياً وهي عدم ضخ الليرة من السوق ومعاودة شرائها. برأيي وبالوضع الذي وصلنا إليه حان الوقت لإنسحاب مصرف لبنان من سوق القطع ليقول للحكومة اللبنانية “عليك القيام بالإصلاحات فأنا لن أمدك بالسيولة بعد اليوم”.