بعد مماطلة وتسويف منذ أكثر من 3 سنوات خطة ميقاتي – سلامة لهيكلة المصارف نظرية… ترقيعية وناقصة

بعد مماطلة وتسويف منذ أكثر من 3 سنوات  خطة ميقاتي – سلامة لهيكلة المصارف نظرية… ترقيعية وناقصة

هيكلة النظام المالي ككل… «المركزي» ولجنة الرقابة والبنوك وشركات التأمين

تعديل قانون النقد والتسليف وتحويل لجنة الرقابة على المصارف الى سلطة مستقلة

تطوير البورصة والأسواق المالية كي لا تبقى المصارف «أجيرة» في الاقتصاد الريعي

البنوك مفلسة ولا ثقة بها… لإستعادة الثقة لا بد من مصارف برساميل جديدة

قانون إعادة الهيكلة إطار قانوني لا يتحوّل الى حقيقة الا بإستثمارات جديدة كليّاً

قانون الكابيتال كونترول هو الأكثر إلحاحاً الآن… وذلك لمصلحة صغار المودعين


رغم كل التدهور الحاصل في القطاع المصرفي، إلا أن حالة التسويف التي تُمارسها الطبقة السياسية ومصرف لبنان لتأجيل إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع لا تزال مستمرة منذ أكثر من 3 سنوات. وأقرب مثال على ذلك تصريح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الأخير بأن «الحكومة أرسلت مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف إلى المجلس النيابي»، في حين أن مصادر نيابية أوضحت لـ»نداء الوطن» أن «مشروع القانون لم تتم إحالته بعد إلى لجنة المال والموازنة، بل هو موجود في دوائر المجلس ولم يوزع على النواب بعد»، موضحة أن «الحكومة في غياب رئيس الجمهورية لا يمكنها إصدار مراسيم إحالة القوانين، ولذلك تقدم بعض النواب بإقتراحات قوانين نيابة عن الحكومة».
في المقابل، سُجل رأي لإدارة صندوق النقد الدولي حول هذا الملف لا يمكن القفز فوقه، وتّم إبلاغه للمسؤولين اللبنانيين، بأنه «يجب الفصل بين إستعانة الدولة اللبنانية بأصولها، أو الرهان على عائدات مرتقبة وغير محددة بعد من الغاز في البحر، وبين المسؤولية عن دمار القطاع المصرفي وضياع أموال المودعين، وأنه لا يمكن إعادة الامور إلى ما كانت عليه من دون تغييرات جوهرية تصيب كل عمل القطاع المصرفي في لبنان بدءاً بعمل مصرف لبنان نفسه». أما خطة ميقاتي-سلامة فهي نظرية من جهة، وتنقصها الرؤية الشمولية ومريبة لجهة خدمة بنوك مفلسة.
الحلّ متوافر منذ 2020
بات جميع المعنيين المحايدين بالأزمة المالية على إقتناع بأنه رغم وجود خريطة طريق لإعادة هيكلة المصارف (رسمتها خطة لازارد في 2020 ووافق عليها مبدئياً صندوق النقد بالتعاون مع الحكومة آنذاك)، إلا أن هناك محاولات سياسية-مصرفية حثيثة لإبقاء الوضع على ما هو عليه اطول فترة ممكنة وعدم ازاحة المتحكمين بالقطاع المصرفي عن «عروشهم»، وعدم المس بمكتسباتهم وتحميل الخسائر للمودعين.
تجدر الاشارة إلى أنه حين وقع لبنان اتفاقاً مبدئياً مع صندوق النقد في نيسان الماضي، إلتزم بموجبه تنفيذ جملة شروط مسبقة، تمهيداً للوصول الى الاتفاق النهائي القاضي بإقراض لبنان 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات تقريباً. بين تلك الشروط البند الخاص بفحص جودة موجودات القطاع المصرفي، بدءاً من 14 مصرفاً تستحوذ على 82 بالمئة من إجمالي موجودات القطاع، وإعداد قانون لإعادة هيكلة المصارف… فلا التدقيق بدأ ولا القانون أقر!

الهيكلة جزء من خطة شاملة
يقارب وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش ملف إعادة هيكلة المصارف بشمولية ويقول لـ»نداء الوطن»:» إعادة هيكلة المصارف يجب أن تترافق مع إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المالي ككل وليس المصارف فقط. أي مصرف لبنان والهيئات التابعة له والمصارف التجارية ومصارف الاعمال وشركات التأمين وإعادة التأمين»، مشدداً على أنه «يجب تحديد دور القطاع المصرفي كقطاع مالي في الاقتصاد، ليكون رافعة للإقتصاد المنتج ليتحول إلى إقتصاد حيوي، وليصبح هذا القطاع المالي هو محرك أساسي له وأن لا يبقى أجيراً في إقتصاد الريع». يعدّد بطيش الخطوات التي توصل إلى هذا الهدف بالقول: «أولاً إعادة رسملة المصارف وشركات التأمين، وتنقية القطاع من الشوائب التي إعترته، وتطوير مأسسته ليواكب الحداثة ومستلزمات بازل والحوكمة الرشيدة»، لافتاً إلى أن «هذا الامر يتطلب تغيير السلوكيات في مصرف لبنان ونُظم العمل فيه على أسس متعددة أولها إتباع سياسة نقدية هادفة ومرنة، تحافظ على الاستقرار النقدي ومراعاة متطلبات السوق».
سلطة لجنة الرقابة
يضيف: «ثاني هذه الاسس تعديل قانون النقد والتسليف وتطويره بما يتوافق مع ضرورات الشفافية ولسد الثغرات التي إستغلها من مارس الاخطاء والخطايا. وفي هذا السياق يُفترض فصل مهام الهيئات التابعة لمصرف لبنان عن الحاكم من جهة، وعن بعضها البعض من جهة أخرى، وتحديداً المجلس المركزي والهيئة المصرفية العليا وهيئة التحقيق الخاصة وهيئة الاسواق المالية، وكلها في لبنان وللأسف وضعت برئاسة الحاكم».
يرى بطيش أن «هذا امر لا مثيل له في أي دولة في العالم. فعلاوة على أن لجنة الرقابة على المصارف ترفع تقاريرها له، فهي تترك له إتخاذ القرار المناسب، بمعنى أنها ليست سلطة، لافتاً إلى أنه “في فرنسا مثلا كان هناك لجنة أسمها commission bancaire وفي لبنان commission de contrôle des banques، وفي فرنسا بات إسمهاAutorité de contrôle prudentiel et de résolution، بمعنى أنها أصبحت سلطة».
فصل الإدارة عن الملكية
يشدد بطيش على أن «ثالث هذه الأسس هي فصل الادارة التنفيذية عن المساهمين في المصارف، إذ لا يمكن لصاحب المصرف أن يكون مديره في نفس الوقت، إنطلاقاً من مبدأ من سيحاسب من. وهذه القاعدة أيضاً يجب أن تُطبق في شركات التأمين بما يعزز الشفافية ويُرسخ ويُفعّل دور المساهمين في تعيين الادارة التنفيذية ومراقبتها ومساءلتها ومحاسبتها». ويرى أنه «يجب فتح الباب واسعاً أمام الاسواق المالية، لتوسيع قاعدة المساهمين في كبريات الشركات الخاصة. وهذا يعني تفعيل دور البورصة لتكون هناك أسهم للقطاع المصرفي في بورصة بيروت، بما يؤمن مزيداً من الشفافية والافصاح عن الارقام والحقائق».
تطوير الأسواق المالية
يعتبر بطيش أن «المستثمرين في الاقتصاد، يجب أن يدخلوا من خلال الاسواق المالية. صحيح أن القطاع المالي هو قاعدة أساسية للإستثمار، ولكن هناك أيضاً الاسواق المالية ودورها صفر تقريباً. وهذا دفع المستثمرين للإنكفاء عن الاستثمار في الاقتصاد المنتج والحقيقي»، موضحاً أن «أهمية الاسواق المالية في تأمين المزيد من الشفافية والافصاح، ومزيد من الثقة بالاستثمار بالقطاع الخاص اللبناني، وهذا ما يخفف من الاستدانة لهذه المؤسسات، ويؤدي إلى إشراك أكبر عدد ممكن من المستثمرين في كبريات المؤسسات العاملة في لبنان». 

الثقة هي الأساس
يشرح وزير الاقتصاد السابق سامي حداد لـ»نداء الوطن» أن»الثقة هي العنوان الكبير الذي يجب الانطلاق منه لإعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان. فأكثر المصارف في حالة إفلاس ولا يصح دمج مصرفين مفلسين»، لافتاً إلى أن «إعادة الهيكلة تعني إعادة تكوين القطاع عبر بناء ثقة من البداية، وهذا أمر لا يتحقق إلا عبر جذب رؤوس أموال جديدة الى القطاع من خلال مستثمرين وشركات ودول تعمد إلى تأسيس مصارف جديدة في لبنان. وهذا الامر لن يكون سهلاً لأن قانون إعادة هيكلة المصارف الذي سيصدر عن الحكومة ومجلس النواب هو إطار قانوني، ولا يمكن أن يتحول إلى حقيقة ملموسة إلا عبر جذب إستثمارات وأموال جديدة للقطاع».
وأموال المودعين؟
يضيف: «إلى الآن ليس واضحاً ماذا سيحل بأموال المودعين. وحسب ما يتم تداوله بأن كبار المودعين سيتحول جزء أو كل ودائعهم إلى مساهمة في رأسمال المصرف الذي يودعون فيه أموالهم. أما الهيكلة السليمة تنطلق من وضع مستثمرين لبنانيين جدد أموالهم في القطاع المصرفي من خلال تأسيس مصارف جديدة، بالإضافة إلى إقناع مؤسسات مصرفية أجنبية في فتح فروع لها في لبنان، على غرار HSBC البريطاني الذي حقق أرباحاً في لبنان لكنه رفض إعطاء الدولة اللبنانية أموالاً كدين. وهذا دليل أن إستدانة الدولة من المصارف اللبنانية لم تتم عبر الضغوط، وهذا ما حصل أيضاً مع مصرف آخر هو البنك العربي».
فليقفلوا أبوابهم
يرى حداد أن «المصارف اللبنانية يجب أن تقفل أبوابها لأنها خسرت ببساطة ثقة المودعين، ودمجها في ما بينها لن يحل أزمة الثقة. أما مجلس النواب اللبناني فهو مقصر بشكل كبير جداً في التشريع المالي والاقتصادي، بدءاً من إقرار موازنة 2022 بشكل متأخر (شهر تشرين أول 2022) وصولاً إلى عدم إقراره موازنة 2023 إلى الآن بالرغم من الظروف القاهرة التي نعيشها».
ويختم: «إقرار قانون الكابيتال كونترول أهم وأكثر إلحاحاً من قانون التوازن المالي. وهذه مسؤولية النواب وهو غير مرتبط بإعادة التوازن المالي كما يدّعون، وهو لمصلحة صغار المودعين خصوصاً».

  مارديني: ضرورة إطلاق عجلة النمو الاقتصادي قبل إعادة التوازن المالي
يعتبر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ»نداء الوطن» أن «هدف قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي يجب أن يكون معرفة المصارف القادرة على الإستمرار في السوق اللبناني، أي تلك التي تمتلك الرأسمال والسيولة الكافية ورؤية لكيفية تسديد نسبة معينة من الودائع، والمصارف التي لا تمتلك القدرة على القيام بهذه الواجبات، أي زيادة رأسمالها أو سيولتها أو الاثنين معاً». ويلفت إلى أن «المشكلة الاساسية في لبنان، أنه لا يمكن لأي مصرف الاستمرار نظراً لحجم المطلوبات التي تتوجب عليها. فالبنوك مدينة للمودعين بنحو 93 مليار الدولار بالاضافة إلى مستحقات بالليرة اللبنانية. وهي لا تملك السيولة لتسديد هذه المستحقات خلال فترة معينة من الزمن وتلبية متطلبات المودعين». موضحاً أن «كل المصارف في لبنان تعاني من مشكلة لأن أموالها موجودة لدى القطاع العام (مصرف لبنان والدولة اللبنانية)، وهذان الطرفان غير قادرين على رد أموال المصارف التي بدورها غير قادرة على رد أموال المودعين».
يضيف: «في الوضع الحالي لا يمكن إعادة هيكلة القطاع المصرفي لأن وضع المصارف سيئ. ومن هنا يمكن الدخول لقانون إعادة التوازن المالي القائم على فكرة تدّخل الحكومة لتخفيف الاعباء عن المصارف، عن طريق شطب أو نقل جزء من الودائع وتحويلها إلى أسهم في المصارف او صندوق إستعادة ودائع». لافتاً إلى أن «هذا يعني إراحة المصارف من جزء الدين ويحكى أن هذه السياسة ستشمل الودائع التي هي فوق 100 ألف دولار، وبعدها يتم النقاش هل يمكن للمصارف أن ترد الودائع التي هي أقل من 100 ألف دولار، وهل يمكنها زيادة رساميلها أو زيادة سيولتها، وعندها يمكن للمصارف القادرة على القيام بهذه الخطوات أن تبقى في السوق، أما تلك التي لا تملك هذه الامكانات فتخرج من السوق. وهذا هو الترابط والتكامل بين إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة التوازن المالي، ومن دون إعادة التوازن المالي لا يمكن إعادة الهيكلة».
يضيف: «كمعهد لبناني لدراسات السوق وشخصياً، نحن مع إعادة هيكلة للقطاع المصرفي وإعادة التوازن المالي من حيث المبدأ، لكن الصيغ المطروحة غير مناسبة والتوقيت ايضاً»، شارحاً أن «إعادة التوازن المالي يجب أن تحصل بعد إطلاق عجلة النمو في لبنان، ويجب أولاً تجميد الازمة عن طريق إقرار قانون كابيتال كونترول حقيقي وليس صوري، وإعادة تفعيل عمل المصارف مع الابقاء على أعبائها القديمة»، مشدداً على أنه «بعد إنطلاق العمل المصرفي من جديد، تتم دراسة نسبة أرباح المصارف. ومع إستعادة الاقتصاد اللبناني لنموه يمكن عندها الدخول في تطبيق قانون إعادة التوازن المالي، عندها تصبح نسبة الـ hair cut أقل على الناس، ونخفّف كلفة إعادة التوازن المالي على المودعين».
ويختم: «هذا الامر ينطبق على إعادة هيكلة المصارف. وهناك من يُطالب بإعادة هيكلتها سريعاً، أما رأينا فهو إعادة معالجة الازمة النقدية أولاً، وتأمين إستقرار نقدي وهو ما سيرجع الثقة. وهذه الثقة تسمح بإعادة هيكلة للقطاع المصرفي، على أساس إعادة التوازن المالي وبكلفة أقل على المودعين»

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن