*نظام دفع ومقاصة لتسويات الليرة والدولار في مصرف لبنان لتسهيل الدفع إلكترونياً وبالشيكات؟!
*تعاملات الدولار بتساهل وتحايل… وعرضة لمخاطر عدم الإلتزام بمعايير محاربة تبييض الأموال
*ماذا عن الثقة؟ ومن يضمن عدم استخدام مصرف لبنان الدولارات الجديدة وهدرها كما «القديمة»؟
*رياشي يحذر من تجنب التدقيق من جانب البنوك المراسلة الأميركية وتسهيل المعاملات المشبوهة
*ضاهر: تعميم قابل للطعن فيه… يثبت خطة الظل ويرسّخ التمييز بين الدولار القديم و»الفريش» دولار
* يتصرف سلامة وكأنه باقٍ وهو المقرر بمعزل عن أي إصلاح جوهري لقطاع مصارف «الزومبي»
قفز مصرف لبنان فوق استحقاقات إصلاحية جوهرية مثل إعادة هيكلة المصارف ومعالجة مصير الودائع، وأصدر التعميم 165 الذي يكرّس “عهداً جديداً” New Era في النظام المصرفي (الزومبي) من خلال اعتبار الودائع القديمة، ولو بشكل غير مباشر “مشطوبة”، وتنظيم عمليات الودائع الجديدة، ومحاولة جذب السيولة النقدية الجديدة الى المصارف مجدداً، عبر إغراء أصحابها بتسهيل عمليات دفع الرسوم والضرائب وتسديد الفواتير وتحويل الاموال عبر الشيكات المصرفية والبطاقات الائتمانية الـfresh سواء بالليرة أو الدولار. وذلك من خلال خلق مقاصة محلية اضافية للتعامل بالـfresh إن بالليرة أو الدولار. ولكن هل استعاد القطاع المصرفي الثقة لجذب اموال الاقتصاد النقدي اليه؟ وهل ان الالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب سيكون صارماً لناحية استقبال الأموال النقدية المجهولة المصدر في ظلّ ازدهار عمليات تبييض الاموال التي عززها الاقتصاد النقدي؟
نص التعميم
في 19 نيسان الحالي، اصدر البنك المركزي التعميم 165 الذي يدعو من خلاله الى تطبيق عمليات التسوية والمقاصة الخاصة بالتحاويل المصرفية والمقاصة الالكترونية “للأموال النقدية” التي حددها بالتعميم، بـ”الأموال التي حوّلت من الخارج و/أو تم تلقيها اوراقاً نقدية Banknotes بالعملات الاجنبية بعد تاريخ 17/11/2019 والاموال المودعة او التي ستودع اوراقاً نقدية في حسابات جديدة بالليرة اللبنانية والتي تتوفر فيها الشروط المحددة في التعميم 150″. ودعا مصرف لبنان المشتركين (البنوك) بنظام الدفع NPS-BDL الذي طوره ليشمل خدمة تحويل ومقاصة وتسوية “الاموال النقدية” الكترونياً الى:
– فتح حسابات جديدة لدى مصرف لبنان بالليرة اللبنانية والدولار الاميركي مخصصة، حصراً، لاجراء جميع العمليات المتعلقة بمقاصة الشيكات والتحاويل الالكترونية الخاصة بـ “الاموال النقدية” خلال مهلة حدها الاقصى 10/5/2023.
يتم تكوين ارصدة هذه الحسابات على الشكل التالي:
– ايداع اوراق نقدية Banknotes لدى مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان مخصصة لتغذية الحسابات الجديدة بالليرة اللبنانية.
– ايداع اوراق نقدية Banknotes لدى وحدة العمليات الاجنبية في مصرف لبنان، او عبر تحاويل من المصارف المراسلة في الخارج مخصصة لتغذية الحسابات الجديدة بالدولار الاميركي.
– استعمال هذه الحسابات الجديدة بشكل حصري لتسوية التحاويل المصرفية الالكترونية الخاصة بـ”الاموال النقدية” ولتسوية مقاصة الشيكات بالاضافة الى ملفات direct debits وملفات credit transfers في (CLEAR-BDL ) التي يتم تداولها بـ”الاموال النقدية.
– ايداع الاموال النقدية Banknotes اللازمة في الحسابات الجديدة المذكورة والعائدة للمعنيين، وذلك لضمان المؤونة الكافية بـ”الاموال النقدية” لنجاح عمليات التسوية في نظام NPS-BDL.
– يعود لكل مصرف تحديد قيمة ايداعاته في الحسابات الجديدة شرط ان يتوفر على الدوام الرصيد اللازم لنجاح عمليات التسوية. خلاصة هذا التعميم انه اصبح بامكان الحسابات المصرفية الـfresh دولار او fresh ليرة التعامل بالشيكات المصرفية وبطاقات الدفع الالكتروني، حيث سيتم انشاء مقاصة محلية جديدة لتلك الاموال النقدية منفصلة عن المقاصة الحالية التي تتعامل حصراً بالودائع المحتجزة والمودعة قبل 17-11-2019. وبالتالي فان عمليات الدفع الجديدة بالدولار الأميركي لن تحصل من خلال البنوك المراسلة بل من خلال مقاصة “الاموال النقدية” الـfresh التي يشرف عليها مصرف لبنان والتي تستخدم لعمليات التحويل محلياً فقط.
ماذا عن الثقة؟
تتعدد المخاطر الناتجة عن هذا التعميم، أوّلاً بسبب فقدان الثقة بالقطاع المصرفي والتي ستكون عائقاً اساسياً امام ايداع اي مبالغ كبيرة من السيولة النقدية في المصارف، التي بدورها يجب ان تودعها لدى مصرف لبنان لزوم استخدامها في عمليات التسوية والمقاصة (شروط التعميم 165). وبالتالي، قد تستخدم تلك الاحتياطيات لاغراض اخرى كتدخلات البنك المركزي في السوق ودعم منصة صيرفة او غيرها… وسيتخوّف المودعون الجدد من “تبخّر” اموالهم مجددا! فهل من مودع ملدوغ يقدم على التجربة نفسها؟ لا سيما وان للمصارف (دفترياً) 87 مليار دولار في البنك المركزي من خلال شهادات ايداع ولم يبق منها الا 9 مليارات فقط!
مخاطر عدم الإلتزام
بالاضافة الى ذلك، يعتبر المصرفي المخضرم جان رياشي ان الخطر الاكبر لا يتعلّق فقط بامكانية سوء استخدام الودائع الجديدة او الثقة بايداع السيولة بالمصارف، بل بمخاطر عدم الالتزام بفعالية تامة بمعايير تبييض الاموال ومكافحة الارهاب ودخول اموال مجهولة المصدر الى النظام المصرفي اللبناني. مشيراً الى ان انشاء مقاصة محلية داخل لبنان لا يستوجب مرور التحويلات عبر البنوك المراسلة، وقد يحفز المصارف اللبنانية على التساهل او التحايل في موضوع الامتثال للمعايير الدولية لناحية الموافقة على ايداع السيولة النقدية واتمام التحويلات او قبول الشيكات، خصوصاً ان نظام مراقبة تبييض الاموال في لبنان ليس فعالاً.
بديل عن البنوك المراسلة
كما رأى رياشي ان هذا التعميم قد يعالج مشكلة المصارف التي لم تعد تتعامل معها اي من البنوك المراسلة، وبالتالي لا تجد جهة تودع لديها السيولة النقدية الجديدة التي كوّنتها من الحسابات الـfresh دولار. حيث سيسمح لها هذا التعميم بتسيير معاملات زبائنها واتاحة التعامل بالشيكات المصرفية من خلال المقاصة المحلية التي أنشأها البنك المركزي. في الختام، اعتبر رياشي ان للتعميم 165 تداعيات سلبية ومخاطر كبيرة على مصرف لبنان والمصارف اللبنانية رغم انه يسهّل عملية اعادة الاوراق النقدية الى النظام المصرفي، “إلا انه لن يؤدي سوى إلى زيادة مخاطر العقوبات وتعريض العلاقات المصرفية المراسلة للخطر، لان مقاصة الشيكات الجديدة بالدولار الأميركي أو التحويلات من خلال مصرف لبنان ما هي إلا وسيلة لتجنب التدقيق من جانب البنوك المراسلة الأميركية وتسهيل المعاملات المشبوهة”. ولم يستبعد أن يتم إدراج لبنان قريباً على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي لمحاربة تبييض الاموال FATF بعد التعميم 165 الذي يسمح بمقاصة الشيكات بالدولار ومقاصة التحويلات الـfresh عبر مصرف لبنان، من خلال الالتفاف على البنوك المراسلة.
تثبيت خطة الظل
وقال المحامي ضاهر ان التعميم المذكور يثبت خطة الظل الرامية الى نهب وهدر حقوق المودعين من خلال سعيه الى تشريع هرطقة التفرقة بين دولار “فريش” ودولار “قديم”، وهو كالقرار الحكومي الصادر في 18 نيسان الحالي (الخاص بشرعنة مخالفات كابيتال كونترول الأمر الواقع) يقبل الطعن بالإبطال أمام مجلس شورى الدولة.
خلاصة أولية
في المحصلة اكدت مصادر مصرفية مختلفة ان هذا التعميم قد يؤشر الى ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يخطط للبقاء في منصبه كأنه القادر الوحيد على ادارة هذه الفوضى المالية والمصرفية متجاهلاً ضرورة اصلاح القطاع المصرفي الزومبي. وربما يساهم هذا التعميم من دون شكّ في سحب جزء من السيولة النقدية من السوق وادخالها ضمن النظام المصرفي، لكنّ المصادر المتابعة في المقابل أبدت تخوّفها ايضاً من مدى الامتثال الجدّي من قبل المصارف بمعايير تبييض الاموال لدى استقبال تلك الاموال، ومدى تشدّدها في تحديد مصادر الاموال الجديدة، خصوصا ان الرقابة ستكون محلية فقط. في حين اعتبر البعض ان هذا التعميم يصبّ في مصلحة المصارف التي تعاني من صعوبات في تطبيق معايير الامتثال لناحية السيولة النقدية لديها، كما ويخدم المصارف العاجزة عن ايجاد بنك مراسل يتعامل معها. بينما وصف آخرون التعميم بانه محاولة أخيرة للسطو مجدداً على الاموال بعدما قارب احتياطي العملات الاجنبية النفاد!