هل طارت مشاريع اعادة إعمار المرفأ، أم أنها كانت أساسا مجرد حبر على ورق؟ وأين اصبحت دراسات البنك الدولي الذي لا يزال يواصل اجتماعاته مع المعنيين بغية المساعدة في وضع اطار قانوني وتقني للمرفأ؟… حتى الآن يبدو المشهد ضبابيا، وإن كان أكثر من طرف لمّح الى أن حسابات حقل المؤسسة الدولية لمستقبل المرفأ غير مطابقة لحسابات بيدر وزير الاشغال التشغيلية للمرفق العام.
أحد المعنئين شبّه مشروع اعادة اعمار المرفأ، وتحديدا خلاصة الاجتماعات مع البنك الدولي، بـ”طواحين الهواء”، فيما كان الاجدى أن يتم اعادة بناء المرفأ من ايراداته التي أصبحت تناهز الـ 10 ملايين دولار شهريا. فما هي آخر المستجدات، وهل وقع الطلاق بين وزير الاشغال علي حمية والبنك الدولي؟
في كل مرة يزور فيها وفد البنك الدولي وزارة الاشغال كان الوزير حمية يخرج بتصريح متفائل عن مسار الامور، وآخرها في آذار الماضي، عندما أكد بعد لقائه وفدا من البنك ضم نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج والمدير الاقليمي لدائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا جان كريستوف كاريه، أن “خطة اعادة اعمار المرفأ التي عملنا على إعدادها بالتعاون مع البنك الدولي ستنتهي في غضون اسبوعين بحسب ما أكد لنا خبراء البنك الدولي وادارة مرفأ بيروت ليتم الإعلان عنها بإشراك القطاع الخاص في إعادة الاعمار والتشغيل”، مشيرا إلى “أن البنك الدولي أبدى استعداده للمساهمة مع الدولة لإعداد خطة التمويل وجذب المستثمرين من الدول الصديقة في العالم على قاعدة كلفة أقل وايرادات أكثر للخزينة العامة تحت سقف القانون اللبناني”. ولكن يبدو ان المشهد تغير الآن، وثمة معوقات قد تطيح المشروع من أساسه، إذ يُستشف من حديث حمية لـ”النهار” أن البنك الدولي يركز في ما يركز على المساحات غير المشغولة في المرفأ ليصار الى بناء مؤسسات سياحية عليها، وهو ما يرفضه حمية رفضا قاطعا: “لن أقبل بهذا المشروع طالما أنني وزير للاشغال العامة… ونقطة على السطر”.
السؤال عن موعد اطلاق مشروع إعادة إعمار مرفأ بيروت، لا تجد له جوابا عند حمية ولا عند المدير العام ورئيس مجلس إدارة مرفأ بيروت عمر عيتاني الذي أكد لـ”النهار” أن “لا موعد محددا لإطلاق مشروع إعادة اعمار مرفأ بيروت، إلا انه يمكننا التأكيد ان المشروع وصل الى مراحله الأخيرة”. وعن سبب التأخير في المشروع، يكشف عيتاني أن الأسباب تعود الى “بعض التناقضات بين مشروع البنك الدولي وحاجات مرفأ بيروت”، وهو ما يبدو واضحا من كلام حمية ورئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء مارون الحلو الذي أكد لـ”النهار” أن وفد البنك الدولي اجتمع مرات عدة مع الهيئات الاقتصادية وطرح أفكارا عدة منها انشاء مراكز سياحية أو سكنية أو بيئية في قسم من مساحات المرفأ.
وفي انتظار جلاء الصورة، يؤكد حمية ان اعادة تفعيل المرافق والمنشآت التي كانت قائمة قبل الانفجار من اهراءات، ورصيف المسافرين والعنابر اضافة الى المنطقة الحرة اللوجستية، تجري على قدم وساق، إذ “نعمل على إعداد دفاتر شروط للاهراءات والرصيف السياحي، ونحضّر لإعداد دفتر شروط لاجراء الصيانة العامة للمرفأ، فيما باشر التجار إعادة بناء العنابر التي يستأجرونها وفق عقد سنوي من دون اي كلفة على الدولة”. وفي حين يلاحظ ان عملية إزالة الردم لم تبدأ بعد، قال حمية: “اعددنا دفتر شروط لمزايدة بيع خردة الحديد وارسلناه الى هيئة الشراء العام الاسبوع الماضي، وبعدها سنزيل كل الحديد”.
لا يخفي حمية أن ثمة تباينا بين طروحاته للمرفأ وطروحات البنك الدولي من دون أن ينفي أن ثمة تقدما بالعمل معه، وقال: “اطلعنا وفد البنك الدولي على ما نقوم به من اجراءات وخصوصا حيال ما يتعلق بدفاتر الشروط، ولكننا تفاجأنا في مكان أنهم يتطلعون الى تخصيص مساحة لإنشاء فنادق ومطاعم وهو ما رفضناه رفضا قاطعا، إذ لا يمكن ان اسمح أن يتحول المرفأ الى فنادق ومطاعم. الوسط التجاري قريب وفيه الكثير من المطاعم والمؤسسات السياحية فليستفيدوا منه”. وبدا حمية حاسما برفضه استخدام اي مساحة من مساحات المرفأ التي تقدر بنحو مليون و500 ألف متر مربع: “كل شبر من المرفأ سيبقى للمرفأ وللاهداف التي أنشىء على اساسها هذا المرفق. وحاليا يأخذ البنك الدولي في الاعتبار ما نكرره باستمرار، ويؤكد أن ما يحكى عن ان ثمة مساحات “ميتة” غير صحيح. فكل المساحات ستستخدم وسنستفيد منها”. ولكن متى يمكن ان نقول ان المرفأ عاد كما كان قبل الانفجار؟ لا يعد حمية بموعد محدد، “كل ما أعرفه ان المرفأ يتطور يوما بعد يوم والعمل يسير على قدم وساق، وايراداته الى ازدياد لدرجة أنه أصبح يساهم في خفض عجز الموازنة وتأمين رواتب القطاع العام لنهاية 2023 وكذلك شراء الفيول لكهرباء لبنان. المرفأ بات من المرافق الاساسية التي ترفد الخزينة العامة”، موضحا أن أكثر من 10 ملايين دولار “فريش” تذهب بأكملها الى الخزينة، إذ “إن الوزارة لا تستخدم اي مبلغ منها للأشغال في المرفأ، وفي حال لم يشأ احد من القطاع الخاص المشاركة في التطوير سنضطر الى اللجوء الى بعضٍ من هذه الايرادات للقيام بالاعمال التطويرية اللازمة، علما ان الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ الذي تم اعداده بالتعاون مع البنك الدولي، اصبح في عهدة اللجان النيابية لدرسه، ويلحظ العلاقة بين القطاعين العام والخاص حيال بقاء الأصول ملكا للدولة اللبنانية”.
تعمل وزارة الاشغال على تفعيل الخدمة ونوعيتها وزيادة الايرادات وتنوع الخدمات التي اصبحت أفضل مما كانت عليه سابقا، وفق حمية، بدليل أنه عندما تسلم مهامه في الوزارة كان عدد الرافعات التي تعمل 3 رافعات من أصل 16 رافعة، اما حاليا فاصبح عددها 13 من أصل 16. الا أن المشروع الابرز الذي يعول عليه حمية في المرفأ هو ذلك الذي يتعلق بخطوط نقل جديدة الى بيروت والذي سيتبلور خلال 15 يوما. وإذ اكد ان العمل جار على استقطاب خطوط نقل بحرية جديدة كانت تعتمد سابقا المرفأ بغية تعزيز “المسافنة” التي زادت بين نيسان 2022 ونيسان 2023 بنسبة 76%، قال: “ثمة مساحات نريد الافادة منها، وسنحول مرفأ بيروت الى موزع للمنطقة. سنعمل على استقطاب خطوط النقل الاساسية التي كانت سابقا للعودة الى بيروت”.
ويتفق حمية مع عيتاني بتأكيدهما أن مشاريع اعمار المرفأ لا تتوقف على البنك الدولي، إذ يقول حمية: “لا نعتمد فقط على البنك الدولي، فثمة خبرات لبنانية سنفيد منها”، فيما أكد عيتاني أن “اعمار المرفأ يمضي قدما سواء مع البنك الدولي او من دونه، وسيُستكمل في هذا الإطار”.
ماذا يقول البنك الدولي؟
وفق مكتب البنك الدولي في بيروت فإنه “منذ انفجار المرفأ شارك البنك الدولي بنشاط في قطاع الموانئ، لتزويد الحكومة اللبنانية المساعدة التقنية اللازمة، وذلك من أجل دعم وزارة الأشغال العامة والنقل في وضع إطار تنظيمي جديد (قانون قطاع الموانئ) يعالج الفراغ القانوني الطويل الأمد في إدارة الموانئ ويضمن الكفاية والشفافية فيها، كما يتيح حشد رأس المال من القطاعين العام والخاص لإعادة إعمار مرفأ بيروت، فضلا عن إدارة جميع الموانئ في لبنان وتشغيلها، الى ضع رؤية جديدة لقطاع الموانئ تحدد الأدوار وتضمن التكامل عبر موانئ لبنان (بما في ذلك مرفأ بيروت)، كما تقترح استراتيجية تنمية متوازنة للقطاع عبر الخط الساحلي الوطني، وإتاحة خيارات لخطة إعادة الإعمار والتنمية من أجل إعادة بناء مرفأ بيروت على نحو أفضل. وقد خضع أخيرا قانون قطاع الموانئ، الذي أيدته وزارة الأشغال، لمراجعة لجنة الأشغال في مجلس النواب، التي وافقت عليه في ما بعد. إلى ذلك، اكتملت رؤية قطاع الموانئ الجديدة، التي وافقت عليها وزارة الأشغال العامة والنقل في تشرين الثاني 2022، ويتم حالياً وضع الصيغة النهائية لخيارات خطة إعادة الإعمار والتنمية، بعد استكمال مسح السوق الناعمة مع القطاعين العام والخاص، لتنشر في مطلع آب 2023.
رؤية القطاع الخاص؟
لم تقتصر زيارات البنك الدولي للبحث في ملف إعادة اعمار المرفأ على الرسميين في الدولة، بل شملت المعنيين في القطاع الخاص فكان لوفد منهم أكثر من لقاء مع الهيئات الاقتصادية. وفي السياق، لاحظ الحلو أن وفد البنك طرح أفكارا عامة من دون أن تكون لديهم برامج مركزة. أما الهيئات الاقتصادية فطرحت الكثير من الافكار من بينها الفكرة التي لطالما ركز عليها الحلو، وتتعلق بالمساحات الشاسعة في المرفأ. إذ برأي الحلو ان المرفأ ليس بحاجة الى كل المساحة التي يملكها، وبإمكان ادارته أن تستثمر بنحو 500 ألف متر مربع من أصل مساحته، من خلال إنشاء مشاريع استثمارية أو تأجيرها للقطاع الخاص أو حتى بيعها بأكثر من 5 مليارات دولار، وقد لاقت استحسانا من البنك الدولي، وفق الحلو. ومن الطروحات ايضا الغاء الاهراءات وتخصيص المرفأ للشحن فقط، على ان تكون ثمة شراكة بين القطاعين الخاص والعام لاعادة بناء المرفأ عبر مشاريع الـ ppp.
ما مصير الاهراءات؟
يؤكد وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام أن مجلس الانماء والاعمار يعكف على اعداد دراسة لاعادة ترميم الاهراءات المتضررة وتحويلها الى صرح لذكرى انفجار 4 آب، ولكن ذلك لا يعني أنه صُرف النظر عن بناء اهراءات في المرفأ. إذ يكشف سلام أنه التقى خلال مشاركته في القمة العربية التي انعقدت في السعودية الوفد الكويتي الذي تم اعلامه ان الكويت ستعيد إنشاء اهراءات جديدة بأحدث المواصفات الهندسية والتقنية حيث تم تخصيص 22 ألف متر مربع في موقع قريب من الاهراءات المدمرة. وقال: “نحن في انتظار الكويتيين لتمويل المشروع الذي تقدر كلفته ما بين 30 و40 مليون دولار”