لولا الأحداث التي فاجأت العالم ولبنان في 7 تشرين اول 2023، كان سيبقى منسوب التفاؤل مرتفعاً بالعام القادم، على اعتبار ان عام 2023 هو الأفضل على لبنان منذ اندلاع الأزمة المالية والإقتصادية في عام 2019، ففي حين سجلت الليرة استقراراً في سعر صرفها على مدى 9 أشهر، أعطى الموسم السياحي البلد زخماً لم يعهده منذ سنوات.
مع المواجهات جنوب لبنان تبقى كل الإحتمالات بما خص اقتصاد لبنان قائمة، حيث أكد الخبير الإقتصادي د. باتريك مارديني في حديث لموقعنا Leb Economy أن “سيناريوهات الإقتصاد اللبناني في العام 2024 مرتبطة بمدة إستمرار الحررقعتها”.
ولفت إلى أن “هناك ثلاث سيناريوهات:ب الدائرة حالياً في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في غزة وفي جنوب لبنان وكم ستبلغ 1 – في حال إنتهاء هذه الحرب سريعاً أي في العام 2023 ولم تمتد للعام 2024 ، نتوقع نمو إقتصادي إيجابي حتى ولو كان ضعيفاً إذ انه خلال عدة سنوات كان يعاني لبنان من نمو سلبي.
2- في حال إستمرار الحرب في العام 2024، ستضغط على قدرة البلد على النمو من خلال خلقها لأجواء عدم الإستقرار وبالتالي خلق صعوبات إقتصادية أكبر.
3- السيناريو الأسوأ هو توسع رقعة الحرب حيث ستكون النتائج كارثية على الإقتصاد اللبناني”.
وأشار مارديني إلى أنه “في العام 2023 كانت توقعات النمو ضعيفة بحيث أن الإقتصاد وصل إلى القعر والنمو ضعيف، ومع إنتعاش موسم صيف 2023 والقطاعات السياحية كان هناك وجود أمل بإنتعاش الحركة الإقتصادية في العام 2024، ولكن عدم الإستقرار السياسي والأمني الإقليمي الموجود حالياً يزيد نسبة المخاطر وبالتالي يهدد النمو الإقتصادي”.
واشار مارديني الى أنه “في حال بقاء الحرب على حالها، أي محصورة بمناوشات على الحدود الجنوبية، سيكون إنعكاسها أولاً على القطاع السياحي وقدوم السياح إلى لبنان، ومن ثم سيظهر إنعكاسها على الواقع الإقتصادي بشكل عام”.
وفي إطار حديثه عن مستويات التضخم، شدد مارديني أنه “طالما مصرف لبنان ثابت على السياسة التي يعتمدها حالياً وصامد بوجه الضغوطات التي يمكن أن تمارس عليه، هناك إمكانية للمحافظة على الإستقرار النقدي”. ولفت إلى أنه “منذ إستلام الحاكم بالإنابة وسيم منصوري مسؤولياته في مصرف لبنان، يتّبع المركزي سياسة نقدية حكيمة تنُص على عدم زيادة الكتلة النقدية بالليرة، وذلك من خلال وقف طباعة الليرة، الأمر الذي حقّق إستقراراً بسعر الصرف”.
وإذ أكد مارديني أن ” المركزي يتعرض لضغوطات من قِبل الدولة للحصول على دين لسد العجز الموجود في الموازنة التي قدمتها الحكومة”، أوضح أن “العجز يعني صرف الدولة لمبالغ أكبر من مداخيلها، وبالتالي ضغط الدولة على المركزي للحصول على أموال لسد العجز سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم”.
وتوقّع مارديني إستقراراً في سعر صرف الدولار في العام 2024 في حال بقاء حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري على موقفه بعدم إعطاء الحكومة أموالاً لتمويل العجز.
واشار الى أن “الضغوط على الحكومة سترتفع للحصول على الأموال في ظل الحرب ووجود رغبة للتعويض على المتضررين من الحرب، الأمر الذي سينعكس بدوره ضغطاً على المصرف المركزي”.
وشدد مارديني على أنه “في حال بقاء الحاكم بالإنابة وسيم منصوري على قراره الحاسم حالياً أي لا تمويل للحكومة، لا زيادة للكتلة النقدية، ولا لهدر ما تبقى من دولارات المودعين، سنرى إستقراراً نقدياً في البلد وسيكون أمر جد إيجابي إذ من يرغب القيام بأي عمل سيكون على علم بكيفية إحتساب مداخيله ومصاريفه، بالإضافة إلى أن الإستقرار سيخفف من مخاطر إرتفاع نسب الفقر”.
وبالتطرق إلى موضوع الفقر، أشار مارديني أنه “في السنوات الماضية شهدنا إرتفاع كبير في نسب الفقر في لبنان وتراجع في نسب المعيشة، وذلك يعود لسبب أساسي وهو إنهيار سعر صرف الليرة، فعلى رغم إعادة تقييم مداخيل ذوي الدخل المحدود، لا تزال الرواتب أقل بكثير مقارنة بالسابق في حال تم تحويلها إلى الدولار”.
وأكد أن “المحافظة على إستقرار سعر الصرف من قبل المصرف المركزي ووقوفه بوجه الضغوطات السياسية يعني تفادي وقوع المزيد من اللبنانيين في الفقر”.
وبحسب مارديني “إذا تمكّنا من المحافظة على إستقرار نقدي مع نمو ولو ضعيف، سيظهر بعض التحسّن، علماً انه قد لا نشهد عودة للحركة الإقتصادية بشكل نشيط ولكن على الأقل سيتوقف التدهور عند النقطة التي وصل إليها”.
وفيما يخص القطاعات الحيوية في لبنان كالكهرباء والإتصالات وغيرها، أشار مارديني إلى أن “هناك إقرار لقانون الطاقة الموزعة الذي يسمح للقطاع الخاص بالإستثمار على المستوى المحلي بمزارع طاقة شمسية أو هوائية أو غيرها”.
ولفت مارديني إلى أن “إستثمار القطاع الخاص ممكن أن يفسح المجال لتحسين وضع الكهرباء بشكل كبير إذا تم تسهيل عمل الشركات لناحية إنتاج الكهرباء على المستوى المحلي”.
وقال: “القانون الذي صدر جيد بالرغم من ما يتضمنه من سلبيات، فصحيح ان هذا القانون قد لا يفتح المجال لعودة التيار الكهربائي مباشرة إلى لبنان، ولكن يمكنه تحقيق ذلك في حال تسهيل دخول الشركات إلى السوق”.
وإعتبر مارديني أن “لُب الموضوع يبقى في كيفية تطبيق القانون، فإذا كان القانون سيُطبَق بشكل إحتكاري من خلال السماح بدخول الشركات المرخصة فقط من قبل الوزير إلى السوق، سنبقى نعاني من موضوع الكهرباء كما عانينا سابقاً. أما إذا كان الدخول إلى السوق مفتوح، حيث بإمكان أي بلدية الإتفاق مع أي شركة أو أكثر من القطاع الخاص لإنشاء مزارع الطاقة الشمسية مع إمكانية إستخدام شبكة الدولة وبيع الكهرباء للمواطنين، سيبعث هذا الأمر أملاً بإعادة إحياء الكهرباء في لبنان”.
وشدد مارديني على أن “وجود الكهرباء أمر حيوي للقطاعات الإقتصادية، فتأمين الكهرباء بكلفة مقبولة وموثوقة لوقت طويل يساهم في تنشيط قطاع الصناعة الذي يعتمد على الكهرباء، كما ينشّط قطاع الزراعة الذي يعتمد على الري ويحتاج للكهرباء، أضف إلى ذلك فهو ينشط قطاع الخدمات الذي يحتاج إلى إضاءة وتكييف وتبريد وتدفئة”.
وشدد مارديني على “أهمية الكهرباء كونها عنصر أساسي لإعادة النمو إلى لبنان “.