استراتيجيات وزارة الطاقة: البحث عن تمويل دولي لمياه ضائعة

وزارة الطاقة

تضع وزارة الطاقة استراتيجية تلو الأخرى، وخطة بعد خطة، بهدف “تطوير” قطاع المياه. ويتخلّل مسار التخطيط تعديلات وتحديثات يُفتَرَض بها إحاطة القطاع بأكبر قدر من العناية والاهتمام للوصول إلى الهدف النهائي، وهو وصول المياه إلى المواطنين لتلبية احتياجاتهم من الشرب والخدمة والري.
لكن ما رَشَحَ عن الوزارة من نتائج منذ إطلاقها الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، لأوّل مرة في 27 كانون الأول 2010، لم يحسِّن واقع المياه، وكذلك لم تفعل عبر التحديثات التي طالت الاستراتيجية لسنوات متتالية. مع أن النسخة الأساسية من الاستراتيجية، كانت تنتظر تحسين القطاع “بحلول العام 2020”.
إلاّ أن الوزارة لم تستسلم، فما زال الوزير وليد فيّاض يُكمِل المسيرة عبر توقيعه أخيراً المراسيم التطبيقية لقانون المياه رقم 462/2020، وهو أحدث نسخة للقانون الذي عُدِّلَ مراراً، فضلاً عن توقيع النسخة النهائية للاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، بعد إدخال التعديلات المطلوبة. فهل تنقلب الميمنة على الميسرة وتتدفَّق المياه قريباً إلى منازل وحقول اللبنانيين؟.

أزمةٌ بتمويل دولي
على مدى نحو 14 عاماً بعد الاستراتيجية، لم تتوقّف حركة صهاريج المياه في جميع المناطق، بل زادت حدّتها. وأحوال مياه الري تتراوح بين الانقطاع التام وشبه التام، والمشترك بين الحالتين هو التلوُّث. وشكَّلَ الوضع القائم مادة لجذب التمويل الدولي نحو مشاريع غايتها الظاهرية تحسين قطاع المياه، لكن لم يكن في باطنها سوى هدر الأموال وتعميق الأزمة.
ومع ذلك، استمرّ المجتمع الدولي بالدفاع عن المشاريع المعتمدة من قِبَل الوزارة، مع أن التجربة والأرقام بيَّنَت عقمها، فالسدود على سبيل المثال، لم تجمع المياه، والأنهار تزداد تلوّثاً. أما مشاريع الصرف الصحيّ المرتبطة بالاستراتيجية، فما بُنِيَ منها من حجرٍ لم يستفد منه البشر إلاّ نادراً، إذ معظمه لم يُشَغَّل أو لم يُستَكمَل تجهيزه. واللافت للنظر أن البنك الدولي واليونيسف على وجه التحديد، ما زالا يموّلان تلك المشاريع. حتّى أن قضية مشروع سدّ بسري لم تنتهِ مع إعلان البنك في أيلول 2020 وقف تمويل المشروع. إذ رغم الأخطاء العلمية المرافقة للمشروع، قرَّرَت الحكومة منذ سنتين إعادة التواصل مع البنك علّه يعيد التمويل، وبدوره لم يعترف البنك بتلك الأخطاء وتركَ مجال العودة إلى المشروع مفتوحاً رغم التقارير العلمية التي تفيد بفشله نتيجة طبيعة الأرض التي لا تسمح بحفظ الماء على السطح، فضلاً عن تدميره للبيئة المحيطة.
جذب التمويل الدولي يحتاج إلى آلية وحجج مقنعة، ولذلك، تعمد الوزارة إلى تجديد شكل استراتيجيّتها وإعادة إطلاق الشكل الجديد، وهو ما تمثَّلَ بتوقيع النسخة النهائية من الاستراتيجية، يوم الخميس 9 أيار. وتهدف الوزارة من خلالها إلى استرضاء الجهات المموِّلة. وبحسب المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية “لا شيء مستجدّ أو مفاجىء في الاستراتيجية، لكن الجهات المانحة تطلب أن يكون هناك استراتيجية، وعلى أساسها تطلب الوزارة تمويلاً”. ويضيف علوية في حديث لـ”المدن”، أنه “في العناوين العريضة، لا يختلف الأمر عن الاستراتيجيات والخطط السابقة”.


أهمية المراسيم التطبيقية
إذا كان تعديل الاستراتيجية أمراً عادياً، فإن النظر لتوقيع المراسيم التطبيقية لقانون المياه، أمر مغاير. وبرأي علوية، فإن المراسيم التطبيقية “ترسم مسار كيفية استثمار المياه، وبأي أصول يتم ذلك، وكيف نحمي المياه”.
وبرأي علوية، تسعى الوزارة عبر المراسيم التطبيقية، إلى “تطوير قطاع المياه، عبر العمل على المياه السطحية والجوفية والينابيع وتراخيص الآبار التي كان يشوبها عدم الشفافية، فضلاً عن تطوير شبكات الصرف الصحي”. وبالتوازي، تحدّد المراسيم “دور مؤسسات المياه في ما يخصّ آليات الترخيص وشروطها، إلى جانب وضع آلية جباية البَدَلات والرسوم لصالح مؤسسات المياه ووزارة الطاقة”.
ومن ضمن المراسيم الموقَّعة، ما يتعلّق بوضع التقارير السنوية لمؤسسات المياه، وهي تقارير تضمّ معلومات حول “المياه والمالية والمشتركين والحوكمة… وذلك من أجل إجراء تقييم دوري”. وكذلك، تنظّم المراسيم “أصول ممارسة الحقوق المكتسبة في المياه. إذ أن لبعض الناس حقوقاً مكتسبة في مياه الأنهار والينابيع، ومنها حقوق الري. وهي حقوق مرتبطة بالملكيات العائدة للمواطنين منذ العام 1920، ولا يمكن وقف تلك الحقوق إلاّ بتعويض استملاك، تحدَّد آلياته في مجلس الوزراء”. ويلفت علوية النظر إلى أن هذا الأمر يعود إلى “الطبيعة الديموغرافية والجغرافية للجماعات السياسية والطائفية في لبنان، والتي بات لها حقوق مكتسبة منذ العام 1920 في مختلف المناطق، منها في شبعا وبشرّي، البردوني، الهرمل، ومناطق أخرى في الجنوب والشوف… وغيرها”.
ورغم الإيجابيات التي يعدّدها علوية، إلاّ أن “التحدّي الأبرز هو إقرار مجلس الوزراء المخطّط التوجيهي لقطاع المياه، وتفعيل الهيئة الوطنية للمياه، والتي تضمّ الوزراء المعنيين ومؤسسات المياه”.


استراتيجيات فاشلة
الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها وزارة الطاقة في وضع الاستراتيجية وتعديلاتها وإقرار المراسيم التطبيقية، وسط تسارع اتجاه البلاد نحو الهاوية، فضلاً عن نتائج المشاريع التي نفّذتها الوزارة عبر تلك السنوات، أفضت إلى اعتبار المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، أن “استراتيجيات وزارة الطاقة فاشلة”. ويستند بيضون في تقييمه لتلك السياسات، إلى ما تم تنفيذه من مشاريع، وإلى طريقة إدارة العمل في الوزارة وما يأتي تحت وصايتها من مؤسسات مياه وغير ذلك.
وعلى مدى سنوات، اتّصَفَ واقع العمل في الوزارة بـ”التردّد بإصدار القوانين، وبعدم الجدية في العمل”. ويُثبت توقيع المراسيم والنسخة المحدّثة من استراتيجية قطاع المياه، فشل وزارة الطاقة والنظام السياسي برمّته، بوصفه كتلة موحَّدة. فالتأخُّر بإصدار القوانين والمراسيم التطبيقية لها يؤخِّر إنجاز المشاريع والتلزيمات التي تهدف إلى تطوير القطاع. ولذلك، يتساءل بيضون عمّا إذا كانت الظروف الحالية للبلد “تسمح بإدارة التلزيمات ووضع دفاتر الشروط ومراقبة التنفيذ”. وينطلق بيضون في رؤيته لعدم جدّية الوزارة والسلطة السياسية في تطوير قطاع المياه، من أن الإقرار الأخير هو لمشاريع المراسيم التي “ستنتظر رأي هيئة الاستشارات في وزارة العدل لتقرّر ما إذا كانت تلك المراسيم تتوافق مع القوانين أم لا”، ما يعني أن بدء العمل في ما أقِر، يحتاج المزيد من الوقت.
وبحسب بيضون الذي يعمل راهناً كمحلل لسياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق، فإن “الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة، سيطروا على التلزيمات، وبالتالي، فإن أي تعاون مع القطاع الخاص في مشاريع الوزارة، يستلزم تحرير التلزيمات من سلطة الوزارة”. وفي ما يخصّ تلك السلطة، فإنه رغم إقرار قانون الشراء العام كصورة من صور الإصلاح، إلاّ أنه “ما زال لدى الوزير سلطة الذهاب نحو تلزيمات بالتراضي ويمكنه اختصار المهل… وغير ذلك من الصلاحيات التي تجعل قراره هو الفصل وليس قرار هيئة الشراء العام المستند إلى القانون”.
وعلى مستوى الرقابة، فإن “الشغور في وزارات وإدارات الدولة وخصوصاً في المراكز القيادية، يقوّض تطبيق القوانين، لأن تلك المراكز هي المصفاة التي تعلق بها الرواسب. أما في حالة الشغور، وتعيين الموظفين بالإنابة والتكليف من قِبَل الوزير، فتنعدم الرقابة”. وبالتالي، أي حديث عن تطوير لقطاع المياه وأي قطاع آخر، في ظل الواقع الراهن، هو أمر غير وارد. سيّما وأن الموظفين المناط بهم إجراء الرقابة “هم بأغلبهم يعيشون على ما يأخذونه من المعتدين على الأملاك العامة في الشواطىء والأنهار، وهم المناط بهم إجراء الرقابة على كميات المياه المستخرَجة من الآبار المرخَّصة. وهؤلاء تدهورت أحوالهم المعيشية اليوم بفعل الأزمة الاقتصادية، وباتوا أكثر عرضة للمشاركة في مخالفة القوانين”.
وبغياب الأرضية الصحيحة لتطبيق القوانين وإنجاز المشاريع، فإن “الانتقال من نظام لآخر، واستراتيجية لأخرى، يعني تضييع الوقت. لأن الوزارة لا تستفيد من أخطائها وتضع الحلول المناسبة. وكل ما يتم فعله في هذا المجال، هو إعطاء صورة مصطنعة وملوَّنة عن عمل صحيح غير موجود”. ولأننا في “دولة فساد عميقة”، فإن السياسات والاستراتيجيات والمراسيم التي تُقَر، ليس لها وزن فعلي على الأرض. ولذلك، فإن المياه التي سيحصل عليها المواطنون بعد تفعيل الاستراتيجيات وإقرار المراسيم، هي نفسها التي يحصلون عليها اليوم، وربما تكون أسوأ مستقبلاً في ظل تصاعد معدلات الثلوّث واتساع رقعة الفوضى الحالية.

اضغط هنا لقراءة المقالة على موقع المدن