تشهد مؤسسة كهرباء لبنان أزمة متفاقمة تتطلب إجراءات عاجلة وإصلاحات جذرية. ترتفع تعرفة الكهرباء بشكل ملحوظ، مما يثقل كاهل المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. تواجه مؤسسة كهرباء لبنان تحديات كبيرة في تحصيل الفواتير، حيث تمتلك الحق في جبايتها بالدولار الأمريكي. تثير هذه الممارسة مخاوف جدية من إمكانية التلاعب بسعر الصرف عند تحويل الأموال المحصلة، مما قد يؤدي إلى خسائر إضافية للمؤسسة والدولة على حد سواء.
يتعرض وزير الطاقة، وليد فياض، لضغوط متعددة من جهات مختلفة للتدخل في شؤون الوزارة. تفرض هذه الضغوط تحديات أخلاقية ومهنية على الوزير، إذ يتوجب عليه الموازنة بين المصالح المتعارضة والحفاظ على نزاهة منصبه. يستدعي هذا الوضع النظر في إمكانية الاستقالة إذا تجاوزت هذه الضغوط الحدود المقبولة، حيث يعني عدم الاستقالة تحمل المسؤولية الكاملة عن القرارات المتخذة.
تبرز الحاجة الملحة إلى إنشاء هيئة ناظمة مستقلة لقطاع الكهرباء، تتمتع بالخبرة والاستمرارية والاستقلالية عن الوزير. ينبغي أن تمتلك هذه الهيئة صلاحيات واسعة تمكنها من اتخاذ قرارات فعالة وتنفيذها. يجب أن تتمكن الهيئة من التواصل المباشر مع مجلس الوزراء لتقديم توصياتها واقتراحاتها، مما يساهم في تحسين أداء القطاع وتعزيز الشفافية.
تصل نسبة الهدر والسرقة في قطاع كهرباء لبنان إلى مستويات مقلقة تقارب الـ 60%. يشكل هذا الوضع عائقًا كبيرًا أمام أي محاولات لإصلاح القطاع، إذ يستحيل إيجاد حل مستدام لأزمة الكهرباء في ظل استمرار هذه النسبة المرتفعة من الهدر. يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة السرقة وتحسين كفاءة الشبكة الكهربائية.
تؤثر الأزمات في قطاعات أخرى، كأزمة المطار الأخيرة، سلبًا على الاقتصاد اللبناني بشكل عام. تنعكس هذه المشاكل على حركة السياحة وعودة المغتربين، مما يحرم البلاد من مصادر دخل حيوية. تعكس هذه الأزمات غياب الشعور بالمسؤولية لدى بعض المسؤولين، ويتحمل رئيس الحكومة المسؤولية المباشرة عن أداء الإدارات والمؤسسات التابعة له.
تنتشر آليات الفساد المنظمة في بعض الوزارات بشكل دقيق ومدروس، وليست مجرد حالات فردية من الاستهتار أو الإهمال. يتطلب هذا الوضع وضع آليات رقابية فعالة وصارمة للحد من هذه الممارسات. ينبغي إخضاع المناقصات والصفقات لرقابة صارمة من قبل ديوان المحاسبة لضمان الشفافية والنزاهة في التعاملات الحكومية.
يحتاج قطاع الكهرباء إلى إصلاحات جذرية لمعالجة مشاكل الهدر والفساد المستشرية. تشمل هذه الإصلاحات تحسين آليات الرقابة الداخلية والخارجية، وتعزيز الشفافية في إجراءات المناقصات والتعاقدات. يجب العمل على تطوير البنية التحتية للشبكة الكهربائية لتقليل الفاقد التقني وتحسين كفاءة التوزيع.
تتطلب معالجة أزمة الكهرباء وضع استراتيجية شاملة و تحقي تعاون البلديات مع القطاع الخاص. ينبغي أن تتضمن هذه الاستراتيجية الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يساهم في تنويع مصادر الإنتاج وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد. يجب العمل على تحديث محطات الإنتاج القائمة لزيادة كفاءتها وتقليل انبعاثاتها الضارة. كما يتعين تطوير شبكات النقل والتوزيع لتقليل الفاقد وتحسين جودة الخدمة المقدمة للمستهلكين.
تساهم هذه الإجراءات مجتمعة في تحسين استقرار الإمداد الكهربائي وتخفيف الأعباء المالية على الدولة والمواطنين على حد سواء. يتطلب نجاح هذه الاستراتيجية تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومؤسسات رقابية ومجتمع مدني، للعمل بشكل متناسق نحو تحقيق هدف مشترك يتمثل في توفير خدمة كهربائية مستدامة وموثوقة لجميع اللبنانيين.