شكّل توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة زلزالًا على المستوى القضائي والسياسي والاقتصادي في لبنان. أثار هذا التوقيف موجة من التساؤلات حول ما إذا كان يمثل بداية فعلية لمرحلة جديدة من الإصلاحات والمساءلة والشفافية في النظام المالي اللبناني. عبّر بعض المراقبين عن رأيهم بأن هناك تضخيمًا كبيرًا في هذه القضية، معتبرين أن المسار قد يتجه نحو تسوية قضائية يتم من خلالها إلصاق تهمة محددة بسلامة لإغلاق الملف بشكل نهائي. يُتوقع أن تسمح هذه التسوية المحتملة لسلامة بالسفر بحرية والتصرف بأمواله الشخصية بشكل طبيعي، وهو ما يراه البعض محاولة لتجنب المواجهة القضائية الحقيقية.
ظهر احتمال آخر يشير إلى أن هذه الخطوة قد تشكل مقدمة لانطلاقة جديدة نحو الإصلاحات التي طال انتظارها، ولكن يعارض بعض الأطراف هذا التفاؤل ويرون أن الحديث عن الإصلاحات في هذه المرحلة ما زال مبكرًا، نظرًا لتعقيد المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد. أكّد مراقبون أن الضغط الدولي، لا سيما من فرنسا والولايات المتحدة، لعب دورًا مهمًا في تحريك القضية، مشيرين إلى أن هذا التدخل الدولي يعكس نظرة جديدة للتعاطي مع الملفات السياسية والاقتصادية اللبنانية. رأى البعض في هذا الضغط محاولة لدفع لبنان نحو تبني إصلاحات جذرية، بينما أشار آخرون إلى أن هناك مبالغة في تأثير الضغط الدولي وأن التركيز الحقيقي ليس على الملف الاقتصادي اللبناني بحد ذاته.
توقّع البعض أن تتخلل الإجراءات القضائية في قضية سلامة عيوب إجرائية، خصوصًا في ظل نقص التنسيق بين السلطات القضائية المحلية والأجنبية، مما قد يؤدي في النهاية إلى تبرئته من التهم الموجهة إليه. رأى آخرون أن هناك تضخيمًا متعمدًا لقضية سلامة بهدف تحويل الأنظار عن الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدها المودعون في البنوك اللبنانية، والتي تُقدر بحوالي 80 مليار دولار. بدأت هذه الفجوة المالية في التفاقم منذ عام 2015 نتيجة تراكم العجز الحكومي والإنفاق المفرط دون مراقبة كافية. سعت السياسات النقدية التي اعتمدها رياض سلامة، خاصة فيما يتعلق بتثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، إلى تحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد لفترات طويلة، لكنها لم تكن كافية لمنع الانهيار الاقتصادي الذي ظهر بوضوح في السنوات الأخيرة.
ساهمت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2015 في تعميق الأزمة المالية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي مقارنة بالإيرادات، وهو ما أدّى إلى زيادة العجز في الميزانية. دعم المصرف المركزي الحكومة اللبنانية عبر تمويلها من أموال المصارف، مما تسبب في خسائر كبيرة نتيجة الفرق بين أسعار الصرف وعجز الحكومة عن سداد ديونها. اعتبر البعض أن التركيز المبالغ فيه على قضية رياض سلامة يهدف إلى التعتيم على الفجوة المالية الكبيرة وحرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية المتمثلة في إدارة القطاع المالي والاقتصادي في لبنان.
على المدى الطويل، تبرز ضرورة التركيز على تحسين نسب استرجاع أموال المودعين التي فُقدت نتيجة الانهيار المالي، بالإضافة إلى تعزيز احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي كجزء من الحلول المقترحة لتجاوز الأزمة. تتطلب هذه الحلول حماية الاستقرار النقدي في البلاد عبر إجراءات حازمة لإعادة الثقة بالنظام المصرفي اللبناني وإطلاق عجلة العمل المصرفي مجددًا. تعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية يُعد أحد الأدوات الأساسية لاستعادة الثقة وتحفيز النشاط الاقتصادي في البلاد، إلى جانب إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليكون قادرًا على تمويل المشروعات الاقتصادية والإنتاجية الضرورية لتعافي الاقتصاد اللبناني.