قد يكون من المؤسف ان نقول ان تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي دامت اكثر من عام وشهدت خلال قرابة الـ60 يوماً موجة قصف ودمار هائل، هي طويلة وكثيرة اذ تزدحم المرحلة المقبلة بمجموعة تحديات خطرة تبدأ بعملية الإعمار ومعاناة القطاعات الاقتصادية واحتمالات تراجع الليرة وعدم تنفيذ الاصلاحات مع استمرار الفراغ في البلد ..
موقعنا Leb Economy استطلع آراء 3 خبراء اقتصاديين حول تحديات مرحلة ما بعد الحرب، واتضح ان العام المقبل سيكون متخماً بالتحديات الإقتصادية والمالية والإجتماعية.
وفقاً للخبير الإقتصادي وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري “أبرز التحديات في المرحلة المقبلة ستكون عبء الديون إذ أن لبنان يعيش في أزمة إقتصادية متصاعدة منذ عام 2019 وأتت الحرب لتعزز هذه الأزمة”.
واشار الخوري في حديث لموقعنا Leb Economy الى أنه “في السابق كان لبنان لديه عبء ديون يبلغ 180% من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم الإنهيار الإقتصادي تنفست الديون ولكن لا يزال لدينا مشكلة إذ لم يتم تسديد سندات اليوروبوندز وهذا الأمر سيخلق عبء على عملية إعادة التمويل، فاليوم قنوات التمويل قد تبدو مسدودة أمام لبنان في ظل عدم إيجاد حل لمشكلة الدين العام، كما يسلط هذا الأمر الضوء على شروط المؤسسات الدولية والدول المانحة التي تحمل شروط واضحة لتمويل مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار منها مؤتمر سيدر وما تلاه من مفاوضات صندوق النقد الدولي بمعنى ان ما تطلبه الدول المانحة مسار طويل من الإصلاحات التي تتعلق بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي وتتعلق بشكل أساسي بالقطاع العام والقطاع المالي”.
ولفت خوري إلى أن “كلفة إعادة الإعمار قدرها وزير الإقتصاد والتجارة امين سلام بحدود 15 مليار دولار، كما قدرها البنك الدولي في نهاية شهر تشرين الأول بـ 8.5 مليار دولار، وهذا الأمر يتعلق فقط بإعادة بناء الأبنية المتضررة التي دون شك رقمها كبير وهي بحدود 5 إلى 6 مليار دولار. ولكن هناك وجود لتكاليف أخرى غير المباني المهدمة تتمثل بالبنية التحتية التي تختلف أيضاً عن الكهرباء والمياه وهي الطرقات والإنترنت وشبكة الإتصالات والإنارة في الشوارع، فكل هذه بنى تحتية تحتاج إلى تمويل لا يقل أيضاً عن مليار دولار”.
وإعتبر الخوري أن “حركة النزوح أيضاً تخلق تحديات، فصحيح أن هناك أشخاص عادوا إلى منازلهم ولكن هناك أشخاص كثر لن يستطيعوا العودة لأن مقومات الحياة لم تعد موجودة في قراهم”، مؤكداً على ان “ازمة النزوح ادت الى تعطل في الحركة الإقتصادية وإرتفاع البطالة عن معدلاتها التي كانت قبل الحرب وحتى الآن لا نعلم إن كانت عملية إعادة الإعمار ستبدأ بسرعة، وإلى أي مشاكل إقتصادية فد نذهب، وهذا فعلاً تحدي كبير لناحية التوترات الإجتماعية والتوترات التي قد تحصل في الشارع. فنحن اليوم بحاجة إلى إصلاحات سريعة لأن اي توترات قد تحصل في الشارع في ظل الواقع الحالي ستؤدي إلى تفكك البلد نحو الفوضى “.
ووفقاً للخوري “لا يجب نسيان الخطر الذي لا يزال يحدق بالليرة، فإذا تأخر لبنان في تلبية شروط البنك الدولي وبدأ التمويل من خلال مصرف لبنان كما في السابق، هذا الأمر سيرفع التضخم وستنهار الأجور مرة أخرى الامر الذي سيشكل خطراً إجتماعياً كبيراً يضاف إلى التحديات التي تحدثنا عنها من نزوح وخراب في البلد”.
وقال الخوري “الأساس في كل هذا الموضوع هو النخبة السياسية التي يجب أن تعي أن نظام الفساد قد ذهب إلى غير رجعة ومن غير الممكن عدم إصلاح الإدارة العامة وبناء الدولة وهذا الأمر يجب أن يتفق عليه الجميع. فعلينا أن نتفق على أي دولة نريد وأي إقتصاد، واليوم بدون أن تعطي النخبة السياسية أجوبة عصرية تتوافق مع المنطقة والعالم لن نستطيع الإقلاع ولن يكون هناك ورشة إعادة إعمار”.
وتابع: “من الضروري جداً تثبيت سلطة الدولة بحيث يكون لها هيبة وتكون هي القوة المسلحة الوحيدة في كل لبنان، كما يجب فصل القضاء عن السياسة وجعل الإدارة شفافة وضرب نظام الفساد، فكل هذه المشاكل تراكمت لدينا عبر السنوات وتكثفت خلال سنوات الأزمة المالية وإنهارت اليوم مرة واحدة”.
وأكد الخوري انه “بعد إنتهاء الحرب من غير المقبول العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب، فتحدياتنا بعد الحرب لا تلبيها موارد وطريقة الإدارة التي اعتمادناها قبل الحرب. لهذا في الفترة المقبلة سنكون امام خيارين: إما التفكك والإنهيار إذا بقينا كما نحن بعد إنتهاء الحرب او الذهاب إلى الإصلاح الشامل”.
وفقاً للباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان “هناك تحديات ستعاني منها القطاعات الاقتصادية، إذ أنه خلال الحرب هناك الكثير من القطاعات التي تلقّت ضربات قوية بأشكال معينة، مثلاً بالقطاع السياحي الذي خسر جزءاً من موسم الصيف ومعرّض لخسارة أيضاً موسم التزلّج الأمر الذي أدى خلال الحرب إلى إقفال عدد من المؤسسات التي كانت تعاني أصلا وجزء منها قد لا يعاود فتح أبوابه مع إنتهاء الحرب مما يعني أن فرص العمل المطروحة من قِبَل القطاع السياحي ستكون أقل في الفترة المقبلة، وبالتالي هناك أشخاص سيفقدون وظائفهم وقدرتهم على الإنفاق الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية تقود إلى تقلّص الإقتصاد اللبناني، علماً أن إقتصاد لبنان كان يسجل نمواً سلبياً منذ عام 2019”.
وقال فكراجيان في حديث لموقعنا Leb Economy: “القطاع السياحي يعتبر من أهم القطاعات التي يعتمد عليها لبنان من حيث تأمين فرص العمل والمداخيل، لذلك التحدي اليوم يكمن في إستعادة ثقة القادمين إلى لبنان حيث إن وقف إطلاق النار لا يعني أن كل شيء أصبح بخير وهناك من يتريث بالقدوم إلى لبنان، الأمر الذي يعرضنا إلى خسارة موسم التزلج والأعياد وهذا كما قلنا يضع المؤسسات السياحية في دائرة الخطر.”
واضاف فكراجيان “من المفارقات أن موسم الثلج بدأ هذا العام باكراً، بانتظار ما اذا كانت القطاعات السياحية قادرة على الإستفادة منه، وهنا من الضروري تسليط الضوء على عمل الحكومة لإستعادة الثقة بالبلد وعودة انتعاش القطاعات الإقتصادية”.
واشار فكراجيان الى ان “هناك تحدٍ ثانٍ يتمثل بالضرر الذي أصاب القطاع الزراعي حيث ان الكثير من المزارعين لم يتمكنوا من حصاد مواسمهم كما لم يتمكنوا من التحضير لزراعة المواسم الجديدة وآخرين لم يتمكنوا من الزراعة أصلاً وكل هؤلاء سيتكبدون خسارات”.
ولفت إلى أن “القطاع التجاري تلقى ضربة كبيرة، واليوم من أهم التحديات التي يمكن أن نتحدث عنها هي المعوقات التي حالت دون وصول بعض التجار اللبنانيين والمصدّرين إلى الأسواق الخارجية من تصدير زراعي أو صناعي. ليبقى السؤال هل هذه الأسواق أقفلت أمامهم؟ وهل هناك تجار آخرون أخذوا مكانهم؟ “.
وتطرق فكراجيان إلى القطاعات التي تعنى بتقديم الخدمات مشيراً إلى أن “هذه القطاعات لم تتأثر إذ أن الإنترنت لم يتأثر خلال الحرب”.
وقال فكراجيان: “لمواجهة هذه التحديات لابد من أن تعمل الحكومة على المحافظة على الأمن لتطمين المواطنين الأمر الذي يخلق حركة في كل القطاعات، فهناك من أقفل مؤسسته قد يعاود فتحها. علماً ان التطمينات ليست الشيء الوحيد المطلوب فهناك حاجة للتحدث عن خطوات تحفيزية لجذب الاستثمارات عبر تخفيض الرسوم والضرائب وتقديم إعفاءات مؤقتة لمنح الشركات فرصة لإلتقاط أنفاسها. ومن الجدير ذكره في هذا الإطار أن خطوة تخفيض الضرائب حصلت سابقاً في إيرلندا عندما أصيبت بأزمة إقتصادية كبيرة جداً وعندها قاربت نسبة الضرائب على أرباح الشركات الصفر بالمئة، وهذا أدى إلى فتح شركات كثيرة في البلد إضافة الى فتح فروع لشركات اوروبية وجذب إستثمارات جديدة. ومن شأن هذا الأمر زيادة الثروات وخلق إنتعاش إقتصادي ليس فقط من خلال تأمين فرص العمل، إنما أيضاً من خلال زيادة الإنتاجية وتخفيض الكلفة على المستهلكين بالبلد “.
اشار الخبير في السياسات العامة والاستراتيجيات والشؤون التنموية والباحث الاقتصادي شادي نشابة في حديث لموقعنا Leb Economy الى ان ” تقرير البنك الدولي توقع أن تبلغ الخسائر في لبنان 8.5 مليار دولار، معتبراً ان “الخسائر من جراء الأضرار المادية والاقتصادية قد تكون فاقت هذا الرقم وتخطت الـ 10 مليار دولار”.
ووفقاُ لنشابة “أشار البنك الدولي إلى أن الخسائر الإقتصادية تصل إلى حدود حوالي 5.1 مليار دولار والأضرار المادية حوالي 3.4 مليار دولار وإنخفض الناتج المحلي عن 6.6% في العام 2024، اضافة الى وجود حوالي مليون نازح وفقدان الوظائف لحوالي 166 ألف شخص وتضرر أكثر من 100 ألف وحدة سكنية”.
وقال: “كل هذه الخسائر تسلط الضوء على تحديات المرحلة المقبلة، ففيما يخص النازحين هناك جزء منهم لا يمكنه العودة إلى منزله بسبب الدمار الذي حلَّ به، وهذا الأمر يشكل ابرز التحديات على الصعيد الإقتصادي لا سيما ان كلفة اعادة الإعمار ستتخطى الخمسة مليار دولار أمريكي، وحالياً نحن نعيش في مرحلة إنهيار إقتصادي، فإذا أردنا مقارنة حرب 2024 بحرب 2006 يمكن القول أنه خلال حرب 2006 كان لدينا نمو إقتصادي ولم نكن نعيش إنهياراً إقتصادياً كالإنهيار الذي نشهده حالياً ولم يكن لدينا فجوة مالية مالية تتخطى الـ 60 مليار دولار، وبالتالي اليوم عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن يتولاها لبنان وهو بحاجة للدول الشقيقة”.
واضاف: “لبنان بعد الحرب موجود في نقطة تحت الصفر، وقبل الحرب كان عند نقطة الصفر وكان الحديث حينها عن كيفية الخروج من الأزمة الإقتصادية والمالية عبر تنفيذ الإصلاحات وإبرام إتفاق مع صندوق النقد الدولي، أما اليوم فإننا نتحدث عن خسائر بمليارات الدولارات وإعادة الإعمار اضافة الى الإصلاحات الإقتصادية والإتفاق مع صندوق النقد الدولي ومن ثم الخروج الأزمة”.
واعتبر نشابة ان “مسألة إنتخاب رئيس للجمهورية وحصول إتفاق للمرحلة المقبلة ووضع الإصلاحات على الطاولة بشكل جدي بهدف بدء السير نحو الخروج من مرحلة الإنهيار يصب في خانة التحديات الاقتصادية”.
ورأى نشابة انه “في المقلب الآخر هناك مشهد إيجابي تمّ رصده في الفترة الأخيرة وهو بدء عودة لبنان تدريجياً إلى الكنف العربي، وبالتالي مساندة الدول العربية للبنان خلال الحرب تعتبر أمراً مساعداً اضافة إلى وجود المغتربين اللبنانيين والمنتشرين الذين يمكن أن يكون لهم دور كبير في المساعدة على الصعيد الداخلي في لبنان”.
واشار نشابه ان “للبنان فرصة بإعادة بناء المؤسسات من جديد عبر وجود توافق وإنتخاب رئيس للجمهورية بإمكانه القيام بالإصلاحات التي لا نزال ننتظرها منذ أكثر من 5 سنوات”.