في ظل المحادثات المتواصلة بين لبنان وصندوق النقد الدولي، تزداد الحاجة إلى اعتماد مسار إصلاحي واضح يستند إلى الانضباط المالي وتفادي العجز في الموازنة، بهدف استعادة ثقة المؤسسات الدولية وتحقيق فائض مالي مستدام. يشدد صندوق النقد الدولي على ضرورة معالجة جذور الأزمة الاقتصادية من خلال إعادة هيكلة القطاع العام، وخفض النفقات الجارية التي ترهق المالية العامة، مقابل تعزيز النفقات الاستثمارية ذات الأثر الاقتصادي الفعلي.
يُعتبر إشراك القطاع الخاص خطوة أساسية في هذا السياق، حيث يجب تحويل المشاريع من عبء على الدولة إلى فرص استثمارية، في بيئة منافسة تضمن الشفافية وتمنع الاحتكار. فالمطلوب ليس فقط تقليص المصروفات، بل إعادة توجيهها نحو مشاريع إنتاجية تُدار بكفاءة وتُراقب بفعالية.
أما في ما يتعلق بالإيرادات، فإن النهج الحالي المبني على رفع الضرائب لزيادة الواردات يتناقض مع توصيات صندوق النقد الدولي، الذي يُشدد على أن تخفيض الضرائب يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل عبر تحفيز النمو الاقتصادي. فخفض الضرائب يُشجع على الاستثمار ويُوسع النشاط الاقتصادي، مما يزيد من العائدات الضريبية من خلال توسيع القاعدة الضريبية، بدلاً من إثقال كاهل الاقتصاد بمزيد من الأعباء.
تشير تجارب عدة إلى أن تخفيض الضرائب يُقلل من التهرب الضريبي ويُشجع الشركات على التصريح عن أرباحها الحقيقية، رغبةً منها في تعزيز ثقة المصارف والمستثمرين. بالتوازي، يؤدي ترشيد الإنفاق إلى تقليص الهدر وزيادة كفاءة استخدام المال العام.
ان الإصلاح المالي لا يتحقق عبر قرارات مؤقتة أو إجراءات سطحية، بل من خلال رؤية شاملة تدمج بين خفض الضرائب، تعزيز الشفافية، إعادة هيكلة القطاع العام، وتفعيل دور القطاع الخاص. اعتماد هذه السياسات يضع لبنان على مسار التعافي، ويُشكل شرطاً أساسياً لأي دعم مستقبلي من قبل صندوق النقد الدولي.