تعاني سوريا من مشكلة تهرب ضريبي وضرائب مرتفعة وضعف استثماري وعدم عدالة ضريبية. وليست هذه المشكلة وليدة اللحظة الراهنة أو الحقبة الأخيرة، بل هي نتاج تراكمات وتشابكات معقدة تمتد جذورها لأكثر من خمسة عقود. وقد أصدر المشرّع السوري خلال هذه الفترة عشرات القوانين والمراسيم والقرارات التي أسهمت بشكل مباشر في تكوين بيئة تشريعية ضبابية، ما
أفضى إلى نشوء مناخ استثماري غير مواتٍ للتنمية المستدامة.
ويتطلب النظام الضريبي السوري إصلاحا جذريا تصبح الضريبة فيه أداة هامة لجذب الاستثمار وتحفيز الإنتاج والنمو الاقتصادي وتخفيض البطالة وسوء توزيع الدخل الوطني وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي يعد أحد أهم مداخل الاستقرار المجتمعي والسياسي.
ويعول اليوم على السياسات المالية الكثير، فالتطلعات والطموحات والهموم التنموية جسيمة. وف ي سياق الخطاب التنموي يثور جدل واسع حول قضية النظام الضريبي، وقد اتخذ هذا الجدل مسارات ومناهج متعددة: فالبعض ينادي بإصلاح ضريبي ضمن المنهج الحالي القائم على الضرائب التصاعدية المتعددة والمتشعبة، في حين يذهب البعض الآخر إلى الدعوة لتطبيق ضرائب أفقية على القطاعات بنسب مختلفة، بينما ينادي آخرون باستخدام نهج الضرائب التنازلية، ويذهب آخرون إلى حد إلغاء الضرائب وربطها بقضية الزكاة.
ولكن نظام الضرائب التصاعدية المعمول به حاليا أفضى بتشريعاته التي تتجاوز العشرات، إلى إضعاف القدرة التنافسية على اجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتفاقم الاختلالات وارتفاع مؤشرات الفساد. ويتزامن ذلك مع اشتداد المنافسة الإقليمية على استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، ما يجعل أي إصلاح جزئي ضمن إطار الضرائب التصاعدية غير ذي جدوى. كما أن نظام الضرائب الانتقائي (الأفقي) لن يكون مجديا ، بل سيعيق الاستثمار والنمو والتشغيل في قطاعات معينة على حساب أخرى. ولعلّ المتمعن في خصائص الاقتصاد السوري وميزاته التنافسية الكامنة يدرك أنه اقتصاد متنوع بطبيعته. وعليه، فإن سوريا اليوم بأمس الحاجة إلى تنمية قطاعية متوازنة. بينما ي فضي نظام الضرائب التنازلية إلى تفاقم مؤشرات عدم العدالة، وهي مؤشرات بلغت أصلا في سوريا مستويات خطرة جدا ساهمت في نشوء المشكلات وتعمقها على الأصعدة الاجتماعية والمجتمعية والسياسية.
وعليه، تطرح هذه الورقة إلغاء النظام الضريبي القائم برمته واستبداله بنظام ضريبي جديد كليا هو نظام الضريبة المسطحة ( Flat Tax (. والضريبة المسطحة، أو النظام الضريبي بمعدل ثابت، هو نظام تُفرض فيه نسبة مئوية واحدة وثابتة على جميع دافعي الضرائب من أفراد وشركات، بغض النظر عن مستويات دخولهم أو أرباحهم أو طبيعة عملهم. كما تقترح هذه الورقة اعتماد معدلات ضريبية تنافسية تكون أدنى من نظيراتها في دول المنطقة، ولمواجهة تحديات التنمية المرتبطة بحالة عدم اليقين الحالية .
ويسمح هذا المقترح بإلغاء التشريعات والأطر الناظمة للسياسة الضريبية، التي تتسم حاليا بالتشتت والتشعب والتعقيد، واستبدالها بإطار تشريع ضريبي واحد يتسم بالكفاءة والفعالية والسهولة والشفافية. ويساهم هذا النظام في استقطاب الاستثمارات، وتشجيع عودة رأس المال السوري المهاجر لأنه يوفر بيئة ضريبية واضحة تمكّن المستثمرين من التنبؤ بدقة بتكاليفهم الضريبية مما يسهل التخطيط المالي ويقلل من حالة عدم اليقين. كما أن تبسيط الاجراءات وانخفاض العبء الضريبي يزيد من جاذبية الاستثمار لأنه يعزز الأرباح ويظهر التزام الدولة بتشجيع الاقتصاد الحر وخلق مناخ استثماري تنافسي عادل ما يسمح بإطلاق عجلة النمو والإنتاج ويولّد فرص العمل.
رفعت حجازي – باحث في مبادرة سراج – المعهد اللبناني لدراسات السوق
حمل الملف لقراءة الورقة البحثية كاملة
