بعد أن تدهورت قيمة العملة الوطنية في لبنان خلال السنوات الأخيرة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، بسبب الانهيار الاقتصاديّ الذي عصف بالجمهورية منذ العام 2019، وفيما يرزحُ اللبنانيّون بغالبيتهم تحت وطأة الفقر، الذي طال 82% تقريبًا من مجموع السكان في العام 2021، بحسب دراسة أعدّتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، جاء القرار من وزارة المالية بتعديل سعر الصّرف الرسمي.
فقد أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال “يوسف الخليل” في حديثٍ لوكالة “رويترز” أنّ المصرف المركزيّ سيعمد إلى رفع سعر الصرف الرسمي في لبنان إلى 15000 ليرة مقابل الدولار بدلًا من 1507 ليرة؛ مع نهاية شهر تشرين الأوّل المقبل، واصفًا ذلك بأنها خطوة نحو توحيد سعر الصرف في البلاد.
وفي نتائج القرار المتوقعة، كشف النّائب ميشال ضاهر أنّ تغيير سعر الصرف الرسمي هدفه دفع المصارف إما إلى زيادة رأسمالها، أو إجبارها على إعادة الهيكلة، وهذا ما سيدفع المودع إلى تحويل أرصدته من الدولار إلى الليرة على السعر الجديد لشراء الدولار الكاش، ما سيؤدي إلى حسوماتٍ كبيرة على شيكات الليرة، وإلى ارتفاعٍ غير مسبوق في دولار السوق السوداء.
بالعودة إلى الدّوافع، يرى الخبير الاقتصاديّ “د.باتريك مارديني” أن هذا القرار جاء اعترافًا بالمشكلة الاقتصادية، إن لجهة الارتفاع الكبير بسعر صرف الدولار في السوق السوداء؛ والذي تجاوز الـ 38000 ليرة للدولار، أو مشكلة تعدد أسعار الصرف، مؤكّدًا أنّه سيتم رفع سعر الصرف الرسمي تدريجيًا في وقت لاحق ليعكس حقيقة المشهد الاقتصاديّ في البلاد.
وفي حديثٍ لـ”شبكة الفجر”، يلفت مارديني إلى أنّ أسعار السلع في لبنان ستشهد ارتفاعًا إضافيًا في المرحلة القادمة جرّاء التضخم الحاصل أصلًا، وبسبب ارتفاع الدولار الجمركيّ؛ الذي حددته الحكومة في الموازنة بـ 15000 ليرة، والذي سيرفع من أسعار السلع المستوردة بشكل كبير.
في هذا السياق يتساءل د.مارديني: “ماذا عن ودائع المواطنين؟ وعلى أيّ سعر سُتسحَب بعد هذا القرار؟”
بدوره، يوافق الخبيرُ الاقتصاديّ “أ.محمد موسى” سؤال مارديني، ويضيف: “ماذا عن الرسوم والضرائب؟ وماذا عن القروض من جهة والديون بين المصارف ومصرف لبنان من جهة أخرى؟ وعلى أيّ سعرٍ ستحتسب الميزانيات والتقارير؟”
يعتبر موسى أنّ القرار الصادر عن المالية مفاجئ، وهو بحاجةٍ إلى جملة نصوص ومراسيم توضيحية قد تصدر عن المصرف المركزي، المصارف، وزارة المالية، أو حتى بنك الإسكان لجهة القروض، لأنّه لا يزال مبهمًا حتى الساعة في كثيرٍ من التفاصيل.
يؤكّد أ.موسى أيضًا لـ”شبكة الفجر” أنّ هذا القرار سيمهّد لتوحيد سعر الصرف من قبل الحكومة المقبلة والذي يطالب به صندوق النقد الدولي، ليكون سعر الصرف الرسمي موازيًا أو قريبًا من سعر منصة صيرفة أو سعر السوق السوداء في المرحلة المقبلة.
وعن المفاوضات الجارية بين لبنان والصندوق، يشير موسى إلى أنّ الحكومات البنانية تأخرت كثيرًا في هذا الملف، ويؤكّد أنّ الصندوق طالب الدولة اللبنانية بجملة إصلاحاتٍ من بينها إنشاء هيئات ناظمة في قطاعي الكهرباء والاتصالات، مشيرًا إلى أنّ لبنان متأخّر في أمرٍ أساسي بالنسبة للصندوق، ألا وهو إقرار قانون “الكابيتال كونترول”.
إلى ذلك يرى موسى أنّ إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وتشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية سينعكس إيجابًا على هذه المفاوضات بالنسبة للبنان.
يمكن القول إنّ هناك رابطًا وثيقًا بين الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ من جهة، وبين الاستقرار الماليّ والاقتصاديّ، في جمهوريةٍ لطالما كان أمنها الاقتصاديّ يتأرجح مع رياح التقلبات والأزمات والانقسامات السياسيّة، وهنا نسأل: هل سيتدارك المسؤولون الخطر في هذه اللحظة المصيرية من عمر الوطن، فيسارعون إلى تنفيذ الإصلاحات، وتشكيل الحكومات، ومنع الفراغ في الرئاسات، قبل أن لا يكونَ صندوقٌ ولا جمهورية، ولا اقتصادٌ أو هُويّة، وقبل أن لا يكونَ درهمٌ ولا دينار!