الدكتور طلال حمود:
نستكمل هذه السلسلة من الملف الذي اجرينا من خلاله مقاربة لسبر الافاق السياسية والاقتصادية التي تنتظر لبنان في العام ٢٠٢٣ والتي لا يبدو أنها ستكون سنة الحلول القريبة سياسياً وإقتصادياً. وكما تعلمون فقد كنا في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود من اوائل المحذرين للسلطة السياسية والمالية القائمة في لبنان والرابضة على صدورنا منذ ٢٠٢٣ أكثر من ٣٥ سنة وللحكومات المتتالية التي عايشنا تجاربها مؤخراً، من مغبّة الإستمرار في اتبّاع سياساتها المالية و الاقتصادية والنقدية الريعية الفاشلة. وكما تعلمون فإن الملتقى كان قد نظّم في بداية العام ٢٠١٩ (اي قبل انطلاق حراك ١٧ تشرين اول) مؤتمراً إقتصادياً حاشداً، شارك فيه ١٢ خبير اقتصادي ومالي ومصرفي كان في مقدمتهم الوزيران السابقان جورج قرم وشربل نحاس، النائب السابق لحاكم مصرف لبنان بين العام ١٩٠ او ١٩٩٣، الدكتور غسان العياش بالإضافة الى الدكاترة إيلي يشوعي، كمال حمدان، حسن احمد خليل،نجيب عيسى، شربل قرداحي، حسن حمادة، مخايل عوض والأستاذ رياض صوما. وقد كانت لهم يومها مداخلات هامّة جداً حذرت من التمادي في ممارسة السياسات الاقتصادية القائمة في حينها، وحذرت من عدم ايجاد حلول لها لأن كل ذلك كان من شأنه ان يوصلنا الى قعر القعر الجهنمي الذي وصلنا اليه بسرعة هائلة في السنوات الأخيرة. في هذا الجزء نبقى مع المداخلة ذات البُعد الإقتصادي للخبير الإقتصادي ومدير “المعهد اللبناني لدراسات السوق” الدكتور باتريك مارديني، الذي يشرح لنا رؤيته لما كان يجب ان تقوم به السلطة للجم الوضع الاقتصادي المتدهور، وبالتالي لوقف التدهور واعادة استنهاض الاقتصاد الوطني.
خطوات مهمة، يشرحها لنا د.مارديني وكان قد عرض لنا سابقاً مثلها الكثير من المقترحات والحلول القيمة لكل الازمات والمشكلات الإقتصادية والمالية والنقدية التي تناولناها في لقاءات وندوات وحوارات الملتقى بحيث كان قد شارك معنا في معظم اللقاءات التي قمنا بها (لمدة ثلاثة سنوات)، وخاصة تلك التي كانت لها علاقة بملفات الدعم والمودعين وملف الاصلاحات الإقتصادية والمالية المطلوبة للإنقاذ والخلاص مما نحن فيه وما الى ذلك.
نبقى مع رؤية د. مارديني حول واقع الاصلاحات الاقتصادية حاليا، وما يجب فعله لاعادة استنهاض الاقتصاد وتحقيق استقراره على قواعد سليمة
مع تكرار الشكر له لمواكبته الدائمة لنا خلال كل تلك السنوات.
*مارديني* :
اعتبر مارديني انه فيما يخص الشق الاقتصادي، فان التصور الاساسي للوضع هو أن اكثر ما يؤذي المواطن هو انهيار سعر الصرف لأسباب تعرفونها منها انهيار القدرة الشرائية. فكلما استمرّ هذا الإنهيار سيستمر الإفقار، والحلّ هو بتحقيق الاستقرار النقدي بأسرع ما يمكن لنجنب اللبنانيين كلفة باهظة بموضوع اعادة هيكلة الاقتصاد، وللأسف هذا لم يحصل، بل إن تصور الحكومة هو ان الاولوية هو حلّ الازمة المصرفية، ومالية الدولة، والكهرباء، مُعتبرين ان ذلك سيجعل استقرار سعر الصرف تلقائي! وهذا التصور ما زال يطبق حتى الآن وهو غير ناجع للأسف لأن لبنان ليس دولة طبيعية، ومعالجة الازمات تستغرق فيه سنوات طويلة.
إن تقديم بقية الإصلاحات على تثبيت سعر الصرف دون تقديم الاخيرة، ودون تطبيق قانون “الكابيتال كونترول”، عقّد الامر اكثر، وسبّب انهيار اكبر للعملة.
اذاً إنّ ايجاد مخرج للأزمة يكمن في ترتيب وتسلسل أولويات الحلول، ويمكننا تثبيت سعر الصرف بعدة طرق، مثلاً عبر الإعتماد على تأسيس مجلس النقد (currency board). وطبعاً أن تشكيل مجلس النقد هو عامل ضابط للإنهيار. إن هذا الأمر يجب معاجلته سريعاً قبل اي معالجة للازمة المصرفيه.
ولكن يبدو ان السلطة مُصرّه ان يدفع اللبنانيون الثمن عن طريق التضخم. فاليوم يتمّ طباعة الليرة لتمويل القطاع المصرفي والمالية العامة عبر التضخّم، وعمداً يتمّ ربط السياسة النقدية بتمويل النفقات العامة وتمويل خسائر المصارف، وحيث أن تشكيل مجلس النقد لم يتمّ حتى اليوم، واضاف مارديني، لقد اقترحنا حلولاً أخرى كدولرة كل شيء، على شاكلة ما حصل في الاتحاد الاوروبي، ما يساهم في الحمايه من انهيار سعر الصرف وتحقيق استقرار بالاسعار، وتحقيق استقرار بالقطاع العام، ولكن من المُلاحظ أنه ومنذ عام ونصف يتمّ عمداً هدر اموال المودعين، عبر التعويم الموجّه، دون ان يتمّ إنجاز اي حل جذري للأزمة المالية والنقدية ولأزمة المصارف.
أما فيما يخصّ الاخطاء الحاصلة، نرى أن سياسة الدعم الكارثية التي اعتمدتها السلطة سابقاً ولا تزال في بعض القطاعات ولبعض السلع، لم تُخفّف من حدّة الازمة بل فاقمتها، على مستوى السلع والخبز والادوية وغيرها وكل ما كان يطلق عليه مدعوماً، وبالتالي فإن رفع الدعم كان ولا يزال ضروري لكي لا تختفي هذه السلع من الاسواق.
وعلى مستوى الكهرباء، يجب التفكير بحلول بديلة دون الاتكال على مؤسسة كهرباء لبنان، بل على مستوى البلديات وخاصة في المناطق الريفية والقرى والبلدات الصغيرة والمتوسطة عبر انشاء مزارع طاقة شمسية، وتحويل الطاقة الفائضة من مؤسسة كهرباء لبنان للمدن، وهي حلول مطروحة الان.
واكمل مارديني، بأن زيادة السياسات الضريبية التي انتهجتها الدولة هي خطأ فادح، لا بل هي ستؤدّي ايضاً للمزيد من الضرر بسبب التهريب، ولن يتحسّن الدخل الا بتحقيق الإصلاح الضريبي لانه الحلّ الامثل. وانهى مارديني مداخلته بالقول ان هناك الكثير من البنود الإصلاحية الأخرى التي يُمكن تطبيقها ولكن السلطةة لا تريد ان تسمع ولا حياة لمن تنادي؟!..