السكك الحديدية في لبنان: من شريان إقليمي نابض إلى إرث صدئ يختزل أزمات وطن

في ذروة ازدهارها، امتدت خطوط السكك الحديدية على أكثر من 400 كيلومتر: من طرابلس شمالًا، مرورًا بجونية وبيروت، وصولًا إلى صور جنوبًا، ومن البقاع شرقًا حتى دمشق. كانت القطارات تنقل الركاب والبضائع، وتفتح أبواب التجارة والسياحة، وتحجز للبنان موقعًا رياديًا في الإقليم.

لكن الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 أوقفت كل شيء. البنية التحتية تهدمت بفعل القصف والإهمال، محطات تحولت إلى أطلال، وعربات صدئة صارت مسرحًا للذكريات. ومع نهاية القرن العشرين، اختفى القطار من المشهد كليًا، تاركًا البلاد رهينة زحمة طرقات خانقة واقتصاد يدفع كلفة مضاعفة.

الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق خالد أبو شقرا قال لـ”يورونيوز” إنّ الخسائر المباشرة الناجمة عن غياب النقل العام المنظم، بما فيه القطارات، “تتراوح بين 5 و10% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا”. ويضيف: “نحن نتحدث عن كلفة سنوية لحوادث السير تتراوح بين 1.5 و3 مليارات دولار، فضلًا عن استهلاك يومي يقارب 850 ألف صفيحة من المازوت والبنزين، معظمها يذهب إلى وسائل نقل. لو كان لدينا نظام قطارات حديث، لخفّضنا هذه الأرقام بشكل كبير، وخفّضنا أيضًا التلوث بنسبة تصل إلى 23%”، ما ينعكس إيجابًا على الصحة العامة ويخفف من فاتورة الأمراض المزمنة، ومنها السرطانية”.

هذه الأرقام لا تعكس فقط أزمة نقل، بل أزمة هيكلية تطال الاقتصاد والصحة العامة والمجتمع ككل، إذ تتحول الأمراض الناجمة عن التلوث إلى عبء مالي وصحي يثقل كاهل الدولة والمواطنين.

[…]

على الورق، يمكن تخيل قطار سريع يربط طرابلس ببيروت فصيدا وصور، وآخر يعبر الجبال إلى البقاع وصولًا إلى سوريا، ما يعيد وصل أوصال البلاد ويخفّف الضغط عن الطرقات الساحلية.

تحولات إقليمية

في ظل التغيرات الجيوسياسية في سوريا والمنطقة، تبدو إعادة ربط لبنان بسوريا والخليج عبر شبكة سكك حديدية فرصة ذهبية. الطريق من بيروت إلى دمشق أقصر وأكثر جدوى من أي مرفأ آخر، ما يجعل العاصمة اللبنانية مؤهلة لتكون مركزًا لوجستيًا إقليميًا.

لكن الانقسام السياسي والفساد يبددان كل إمكانات الاستثمار.

فساد يلتهم الحلم

حتى في غياب القطارات، لا تزال الدولة تعيّن مديرًا عامًا لمصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك. هذا الواقع يجعل من أي حديث عن إحياء المشروع رهينة إرادة سياسية غير متوفرة حتى الآن، في ظل منظومة تعتبر مؤسسات الدولة “مزارع خاصة”.

رغم كل العقبات، يرى خبراء في مجال النقل أنّ الاستثمار في السكك الحديدية يمكن أن يكون رافعة أساسية لتعافي لبنان. فالموقع الجغرافي الاستراتيجي، والحاجة الملحّة لحلول نقل مستدامة، يجعل من المشروع عنصرًا أساسيًا لأي خطة نهوض اقتصادي.

اضغط هنا لمشاهدة المقابلة كاملة على قناة euronews بالعربي