ليس خفيًا أنّ لبنان اليوم يشهد أسوأ انهيار اقتصادي منذ سنين ما بعد الحرب، إضافةً إلى خسارة الليرة أكثر من 80 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي الذي أصبح عملة نادرة، فضلًا عن التضخّم الكبير، وخسارة عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم وتآكل قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار أي ما تبقى من أموال المودعين لاستيراد مواد حيوية مدعومة كالقمح والأدوية والوقود والتي يجرى تهريبها الى سوريا بمعظمها.
ولكن هل بمقدور «مصرف لبنان» ان يستمر في هذا الدعم الى اجل طويل؟ أكد الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لموقع “جنوبية” ان احتياطي المركزي يبلغ اليوم 20 مليار دولار وهو معرّض مع استمرار الدعم الى النفاذ، ما يعني تبخر ما تبقى من أموال المودعين، وعدم تبقي دولارات لدى مصرف لبنان لفرملة انهيار الليرة، وبالتالي لبنان سيكون أمام كارثة لا تحمد عقباها.
استمرار الدعم يسرّع الانهيار
في هذا السياق، أكّدت مصادر مالية لـ “جنوبية”، ان دعم المركزي للمازوت والقمح والنفط، يؤدي بالتأكيد الى استنزاف احتياطي مصرف لبنان، وفي ظل غياب اجراء الإصلاحات التي تعيد التوزان بميزان المدفوعات، وطالما الإصلاحات غير موجودة فهذا الأمر سوف يسرّع الانهيار حتماً”
كما شددت المصادر على ان “الدعم العشوائي يعني أولاً استمرار التهريب وارتفاع وتيرته، وثانياً استنزاف ما تبقى من احتياطي العملات الاجنبية في مصرف لبنان. وعليه فان “الفترة اللاحقة ستشهد بدء عملية رفع الدعم عن سلعة تلو الاخرى قد يبدأ بالمازوت والمشتقات النفطية، من ثم القمح وصولاً الى الأدوية.
استنزاف ما تبقى من أموال المودعين لصالح المهربين والكارتيلات
في وقت يُمنع على المودعين الاستحصال على دولاراتهم من المصارف، يواصل المركزي دعم المواد الحيوية والأساسية من احتياطاته الدولارية، الا ان المفارقة هي باستنزاف هذا الاحتياطي وذهابه هدرا لا سيما مادة المازوت لغير أصحاب الحاجة. فبدلا من أن يستفيد المواطنون من هذا الدعم، تذهب دولارات المودعين إلى أصحاب “الكارتيلات” الكبيرة التي تعمل على احتكار مادة المازوت وبيعها في السوق السوداء من جهة، والى مافيات التهريب من جهة ثانية مع استمرار عمليات التهريب الى سوريا، بينما المواطن اللبناني يغرق في العتمة بسبب نقص الفيول و”تبخّر” المازوت باعتراف وزير الطاقة.
في هذا السياق، أكّد الخبير الاقتصادي، باتريك مارديني لـ “جنوبية”، ان “جميع الأسعار في لبنان ارتفعت بشكل مرعب بما يوازي تدهور سعر صرف الليرة باستثناء سعر المحروقات الذي بقي مقبولا، وذلك بسبب دعمها من احتياطي مصرف لبنان”، مشيرا ان “جزءا كبيرا من تدهور سعر الصرف له علاقة بذوبان احتياطي مصرف لبنان”.
أموال المودعين “طارت”: المبلغ المتبقي 20 مليار من أصل 114 مليار دولار
وأشار مارديني ان “أموال المودعين في المصارف تقدر ب 114 مليار دولار، وجزء كبير من هذه الودائع وضعتها المصارف لدى المركزي، ولم يتبقَ منها سوى 20 مليار دولار بحسب التقديرات”، لافتا ان “كلما استورد لبنان محروقات يتم تسديد جزءا من ثمنها من هذا الاحتياطي المتبقي، لجعل سعرها مقبولا بالنسبة للمواطنين وهذا يعني تفريط بهذه الأموال، لا سيما وان خسارة دولارات الشعب اللبناني تذهب لصالح المهربين وتجار السوق السوداء”.
الاحتياطي سينتهي بسبب الدعم ولن يبقى دولارات لفرملة انهيار الليرة
الى ذلك أكد مارديني ان لبنان قادم على كارثة مالية كبيرة في حال استمر بهذا النهج من الدعم المعتمد، لأنه يوما ما سوف ينتهي هذا الاحتياطي ولن يبقى لدى المركزي وسيلة للجم انهيار الليرة، مشيرا انه “لا يمكن تحديد مهلة انتهاء الاحتياطي بسبب عدم وجود ارقام واضحة فيما يتعلق بحسابات مصرف لبنان المالية”.
وعن تأمين مصرف لبنان العملة الصعبة للتجار من الدولارات الواردة من التحويلات الخارجية إلى شركات تحويل الأموال تحت مسمى المنصة الالكترونية، قال مارديني إنها لا تكفي للدعم، مشيرا انها “لو انها تكفي الحاجة المطلوبة لما كان تدهور سعر صرف الليرة”.
واكد مارديني ان “العملة الصعبة التي يضخها مصرف لبنان في السوق هي أكبر من الدولارات التي تأتي من الخارج، لأنه يستخدم الاحتياطي وهو ما يفسر وقف تدهور الليرة على ما يقارب الـ 8 الى 9 آلاف ليرة في السوق السوداء حاليا، ولكن ذلك يقابله خسارة المركزي لدولاراته، وعلى المدى الطويل سوف يخسر مصرف لبنان احتياطه ولن يتبقى لديه دولار لتوقيف تدهور سعر صرف الليرة”.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع جنوبية