شهدت العملات الرقمية تبادلا كبيرا وانتشارا واسعا في لبنان، الأمر الذي لفت انتباه قوى الأمن الداخلي وخاصة بمنطقتي جزين و الشوف.
وخلال اليومين الماضيين، أعلنت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن الجهات المعنية بالتعاون مع بلدية جزين بادرت الى ضبط وتفكيك الأجهزة في محلات التعدين التي تستعمل للعُملات المشفّرة، بعد تعدّيات على شبكة الكهرباء.
وقالت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني اليوم إنه “بناء على كتب المصلحة إلى الجهات المعنية التي طالبت بإزالة التعديات على شبكات التوزيع وسرقة الكهرباء في مناطق جزين وإقليم التفاح والشوف وجوارها المستفيدة من محطة الأولي، خاصة محلات التعدين التي تستعمل للعملات المشفرة نظراً لعدم شرعيتها ولاستهلاكها الكثير من الطاقة الكهربائية”، و”في ظل التعديات على شبكات التوزيع وسرقة الكهرباء في القرى والبلدات المغذاة من خطوط التوتر المتوسط في محطة الاولي”، بادرت الجهات المعنية بالتعاون مع بلدية جزين الى ضبط وتفكيك الاجهزة في محلات التعدين التي تستعمل للعملات المشفرة مما سيسهم في خفض حمولة الخط رقم 1.
والتعدين، هو عملية إنشاء عملة جديدة باستخدام أجهزة الكومبيوتر لحلّ الخوارزميات، وفك الشيفرات الرياضية المعقدة. ويقوم مستخدمو “بيتكوين” الذين تُطلق عليهم مجازاً تسمية “عمّال المناجم”، بعملية حفظ البيانات وعمليات التداول وتسجيلها في سلاسل محاسبية تسمى كل منها “بلوك شاين”.
ويستخدم العاملون في التعدين، معدات كومبيوتر قوية مثل GPU (وحدة معالجة الرسوم) أو، بشكل أكثر واقعية، دائرة متكاملة خاصة بالتطبيقات، والتي يمكن أن تتراوح قيمتها من 500 دولار إلى عشرات الآلاف. وتحتاج هذه السلسلة الى كميات هائلة من الطاقة تشغل الحواسيب المرتبطة ببعضها البعض، لكن مردودها المادي عالي جداً، ويصل الى ربع سعر العملة الرقمية “بيتكوين” الذي يناهز الـ40 ألف دولار الآن.
وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي عن عموم لبنان ساعات طويلة، بدا أن هناك نشاطاً قوياً لتعدين البيتكوين في منطقتي جزين والشوف، حيث يستفيد عاملو المنجم الافتراضي من توافر الكهرباء أطول مدة زمنية، وتُتنج من المحطات الكهرومائية على نهر الليطاني.
ودون متابعين ونشطاء على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، على سبب انتشار تلك العملة في لبنان تحديدا، ويرى هؤلاء أن مميزات تلك العملة المشفرة تكمن في خروجها عن تحكّم السلطة الحاكمة. وكذلك، من ناحية عمليّة، لن يحتاج اللبنانيّ إلى الوقوف في الطوابير للحصول على أمواله، ولا تقطيرها ضمن تعاميم مبهمة، ولا أيضاً التعرّض لخطر السرقات في حال تنقّله مع أمواله.
وأشارت دراسات إلى أن أنّ نسبة من المواطنين يميلون إلى تبنيّ العملات المشفّرة كقيمة بديلة لعملتهم الوطنيّة. لذلك، يمكننا أن نربط ارتفاع قيمة العملات المشفّرة بظهور الأزمات الماليّة في العالم نظراً لزيادة الطلب مقابل العرض.
ووفقًا لبيانات من «رويترز»، التي أجرت مقابلات مع ستة من تجار البيتكوين في سبتمبر (أيلول) الماضي، أفادت تقارير أنه يجري تبادل عدة ملايين من الدولارات مقابل عملات البيتكوين يوميًّا في لبنان.
الاهتمام بعملة البيتكوين واضح؛ فقد ظهرت العملة المشفرة نفسها في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008: وتسمح بإرسال الأموال واستلامها من خلال الوسائل اللامركزية، وتخطي وسيط الأطراف الثلاثة الموثوق بها تقليديًّا مثل البنوك أو الحكومات.
وعلى عكس العملات الورقية، التي تؤدي طباعتها من خلال البنوك المركزية إلى التضخم، تقتصر عملة البيتكوين على 21 مليون وحدة. وكل مستخدم لديه «محفظة رقمية» آمنة، مفتاح مشفر يعرفه المستخدم فقط. ويزدهر هذا الاتجاه في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية كبرى، مثل الأرجنتين وفنزويلا. واستُخدِمت عملة البيتكوين في عديد من الدول الأفريقية بوصفها عامل استقرار للقيمة في مواجهة التضخم ووسيلة لتجاوز القيود المصرفية.
وفي تصريحات صحفية سابقة قال باتريك مارديني، أستاذ المالية في جامعة البلمند اللبنانية ومدير المعهد اللبناني لدراسات السوق، أنه: «على الرغم من التقلب الشديد، فإن العملات المشفرة استثمار أكثر أمانًا من الليرة اللبنانية»، مشيرًا إلى فقدان العملة اللبنانية لقيمتها واستمرار هذا التدهور بسبب غياب سياسة نقدية سليمة.
وفقدت العملة الوطنية أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار، في حين ارتفع تضخم أسعار المستهلك، سلة الأغذية والمشروبات القياسية، وفقًا ل«بلومبرج».