أزمة الليرة: تـأثيرها على الاقتصاد وأسبابها وسبل معالجتها

أزمة الليرة: تـأثيرها على الاقتصاد وأسبابها وسبل معالجتها

نظم المعهد اللبناني لدراسات السوق سلسلة لقاءات حول الأزمة النقدية بحضور عدد من الصناعيين والتجار والمصرفيين والصحافيين والخبراء والأكاديميين. وقد عرض المشاركون تداعيات تقلبات سعر الصرف وارتفاع الدولار التي جعلت تحديد الأسعار مسألة في غاية الصعوبة وأفقدت المستهلك ثقته في المتاجر وخفضت قدرته الشرائية فأصبح 80% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر. وقد زادت الأزمة النقدية من صعوبة إنجاز الشركات لمحاسبة دقيقة وفاقمت مشكلة المدارس ومشاكل الضمان الاجتماعي. كما أفضت إلى انخفاض تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات إلى لبنان وتأخير تعافي البلاد، ما زاد البطالة وعمق الركود. وعمِدت المصارف إلى حصر السحوبات بالليرة اللبنانية على سعر صرف أدنى من سعر السوق الحقيقي، ما خلّف اقتطاعاً (Haircut) على السحوبات تزداد نسبته مع ارتفاع الدولار.

أما عن أسباب الأزمة النقدية، فقد أوضح المشاركون أنّها تعود لخرق مبدأ المثلث المستحيل (Impossible Trinity) حين بدأ المصرف المركزي الانخراط في السياسة النقدية عبر تمويل عجز الموازنة. وقد ارتفعت النسبة التي يحملها مصرف لبنان من سندات الخزينة من حوالي 30% في العام 2012 إلى حوالي 60% في العام 2019 ما افضى تلقائيا الى جعل سعر ال1500 لليرة للدولار غير واقعي. وبدل الرجوع عن تمويل نفقات الحكومة أو السماح لسعر الصرف بالتغير، راح المركزي يخسر الدولار ليدافع عن سعر الصرف ثم لجأ إلى الهندسات المالية منذ العام 2015 لتمديد هذه السياسة. ومنذ بداية الانهيار في العام 2019، تضخمت السياسة النقدية وازدادت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية 9 أضعاف، الأمر الذي غذى ارتفاع الدولار.

وقد قارن المجتمعون بين حلين لأزمة الليرة: التعويم الموجه وإنشاء مجلس نقد. ويُعطي التعويم الموجه المزيد من المرونة لحركة سعر الصرف، ما يمنع تراكم خسائر المصرف المركزي ويُفسح المجال أمام سياسة نقدية نشطة. ولكن هذه التجربة أثبتت فشلها عبر منصة صيرفة بحيث ارتفع الدولار من 12000 ليرة إلى 20000 ليرة، وخسر مصرف لبنان جزءاً من احتياطي العملات الأجنبية بسبب التدخل فراكم المزيد من الخسائر، ناهيك عن التقلبات الشديدة لسعر الصرف. ويتطلب نجاح التعويم الموجه شروطاً مسبقة هي مفقودة اليوم في لبنان أبرزها استقلالية المصرف المركزي واستعادة الثقة بالليرة وضبط إنفاق الحكومة واستقرار سياسي ودبلوماسي وأمني في البلاد.

أما مجلس النقد، فيسمح بضمان سعر صرف ثابت وحرية حركة رأس المال بالليرة بسبب الاحترام الصارم للمثلث المستحيل وكونه بالتالي يُلغي السياسة النقدية. ويوقف ثبات سعر الصرف انهيار قيمة مداخيل الحكومة وترفع عودة التدفقات إيراداتها. وتنخفض كلفة الدين العام مع انخفاض الفوائد، ما يساعد على إعادة الهيكلة والعودة إلى الأسواق المالية لتمويل العجز. وتشير جميع التجارب الدولية إلى أن مجلس النقد يرفع الاحتياطي فترتفع معه كمية الليرة في السوق، ما يريح السكان ويسمح للمصارف بالتعافي الجزئي مع عودة التدفقات المالية. وعلى عكس سعر الصرف المثبَّت، لا يمكن لمجلس النقد القيام بسياسة نقدية مثل تمويل العجز والهندسات المالية، ما يمنع تكرار الأزمة (المثلث المستحيل).

وقد قدم المشاركون بعض الاقتراحات الأخرى ومنها: الحد من العجز المالي، إلى جانب الشراكات بين القطاعين العام والخاص وإعادة هيكلة الديون وإتاحة منصة صيرفة أمام الجميع وتوزيع أفضل للخسائر ورؤية اقتصادية طويلة الأمد وانتخابات نيابية واستقلال للقضاء.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الوكالة الوطنية للاعلام