كي لا يتحوّل غاز لبنان ونفطه الى نقمة!

كي لا يتحوّل غاز لبنان ونفطه الى نقمة!

لم تتمكّن الدولة اللبنانية حتى الساعة من المضي قدماً نحو إستخراج النفط والغاز، براً وبحراً لعدة أسباب، في الوقت الذي يعوّل فيه اللبنانيين على الذهب الأسود لخلاص لبنان من أزمته الإقتصاديه وإزالة ثقل الدين العام؟ وعلى وقع شدّ الحبال السياسي بين الأفرقاء اللبنانيين في تقاسم “قالب الحلوى”، أسئلة كثيرة تطرح قبل الحديث عن الأهمية الإقتصادية الإستراتيجية لإستخراج النفط والغاز في لبنان، ولعلّ أبرز هذه الأسئلة كيفية إدارة هذا القطاع في ظل النظام الإقتصادي الحالي والواقعين السياسي والإداري المهترئين.

كثر الحديث مؤخراً عن حقل كاريش، والجدال الدائر حول أي خط يجب إعتماده لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتأثير ذلك على حصول لبنان على حصة من الحقل النفطي الذي يبلغ حجمه 2.3 تريليون قدم مكّعب. وبالإضافة الى هذا الحقل “المتنازع” عليه يملك لبنان عدة آبار نفطية وهي قيد الإستكشاف، مع وقف التنفيذ مرحلياً. إنما هل مجرد إمتلاك أي دولة لموارد طبيعية يعني أن شعبها سيعيش برخاء تام؟

يوضح الخبير الإقتصادي كارابيد فكراجيان في حوار مع “نيوزفوليو” أن “هناك صورة غير دقيقة تخلص الى أن إستخراج الغاز سيجعلنا نعيش برفاهية”، معتبراً ان “إمتلاك ثروة أي كان نوعها ليس من الضروري أن يؤدي الى رخاء الشعب، انما قد يكون له ضرراً كبيراً”.

ويستعرض فكراجيان تجارب عدة دول في القارة الافريقية التي تعتبر أغلى قارة من حيث الثروات، انما أفقر الشعوب تعيش فيها”، هذا عوضاً عن أن “دولا فيها أصبحت ساحة قتال بين العصابات والميليشيات”. كما يعطي فكراجيان مثالاً آخر وهو فنزويلا، الذي “يستعمل فيها النظام البترول كمصدر للتمويل، وعلى الرغم من سيطرته عليه وإمتلاكه أكبر إحتياطي نفط في العالم، إلا أنه يستورد البنزين، النفط المكرر، من دول أخرى، إذ أن المنشآت النفطية والمصافي لا تعمل بسبب إحتكار الدولة للقطاع  والذي نتج عنه سوء إدارة”.

النظام الإقتصادي هو الفيصل !!

إن كيفية تعاطي الدول والحكومات مع ملفات إستخراج النفط والغاز أمر جد دقيق، فقد يكون سيفاً ذا حدين، فثمة دولاً نجحت في إستثمار مواردها وثرواتها، وتطوّرت بما فيه خير مواطنيها ومستقبل الأجيال القادمة. ويشير فكراجيان الى أن إتباع “الإتجاه الذي إعتمد في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، سيؤدي الى نجاح في إستثمار القطاع النفطي بفاعلية، إما إذا صرنا على الطريق التي سلكته أغلب البلدان النفطية أو التي تملك حقول يورانيوم ومعادن وغيره فلن يكون مصدر نعمة إنما نقمة”.

ويعتبر فكراجيان أن الأمر يتعدّى الإدارة الصحيحة للموارد الطبيعية بقليل، سيما أن النظام الاقتصادي الموجود هو الفيصل، فإما ينعكس ايجابا على الدولة ككل والمواطنين، او سيقتصر التأثير الإيجابي على بعض المنتفعين والسلبي على المواطنين.

ويسأل فكراجيان عن الحوافز التي سيتم القيام بها في إدارة هذه الثروة الطبيعية، مشدداً على أهمية التفرقة بين النوايا والحوافز، ويقول: “للأسف السياسات التي نتبعها في الثلاثين سنة الأخيرة، والتي تفاقمت مؤخراً تحفّز بإتجاه النتائج السلبية”.

ويشدد فكراجيان على ان “قبل البحث عن وجود الغاز أو عدم وجوده، أو الإستفادة منه أو عدم الإستفادة منه، نحن لدينا خطر أكبر يتمثل في إساءة إستخدام كل الثروات، وعلى سبيل المثال كيف صرفت أموال المودعين، التطرق الى موضوع الذهب، الإستمرار بالسياسات الإحتكارية في الدولة كالإتصالات والكهرباء والمياه والبنى التحتية والمرافق الحيوية كالمرافىء والمطار والكازينو، وغيره”، معتبراً أن عدم معالجة هذا النهج سيجعل من الغاز والنفط نقمة على الشعب اللبناني.

ويضيف فكراجيان: “من الممكن أن يكون من الأفضل ألا نستخرج الغاز حاليا، بسبب مخاطر سوء إستخدامه، مثلا “تناتش” المجموعات المؤثرة في الدولة التي قد تسبب ضرراً وإتجاها نحو سوء إدارته”.

تحديد الملكية !!!

إن عدم نجاح الدول في الإستفادة من الموارد الطبيعية مرتبط بعدة عوامل، إنما المؤشر الأساسي والربط فيما بين الدول التي فشلت في إستثمار ثرواتها كان عدم تحديد من يملك هذه الثروات، بحسب ما يلفت فكراجيان. ويعتبر فكراجيان أنه عندما تكون الثروة ملكا عاما، يُفتح المجال أمام خلق حلقة هشة في الإدارة، والتصويب المباشر على شخص معيّن أو النزاع على الحصة الأكبر المتمثلة في مركز القرار، ما يعرّض الدولة للخطر.

ويشير فكراجيان الى أن تحديد الملكية منذ البداية يكون التوجه الأفضل، والمقصود بالملكية هنا الخصخصة بشكل منافس، فإذا تم تحديد الآبار أو مراكز الثروات وتلزيمها بشكل واضح كإستثمار، وتملكها من شركة واحدة ينقل النزاع على ضفة المنافسة لتقديم العرض الأفضل والفوز بالإستثمار. كما أن النقطة الأبرز تكمن في تحديد المسؤوليات لتكون على المستثمر وليس على الدولة كما جرت العادة في لبنان، ما يؤدي الى تقليص الخسارات على الدولة، “ليس كما يحصل الآن في عدة قطاعات في لبنان، كالكهرباء مثلا حيث لا تتحمّل الشركة الخاصة الملتزمة تنفيذ الخدمات مسؤولية قرارتها وتخسر الدولة الأموال”، بحسب فكراجيان.

وفي هذا السياقـ ينتقد فكراجيان النهج المعتمد بإدارة القطاعات والثروات، مشيراً الى أنه يتم تلزيم الملك العام من الباطن، مثلما يحصل في باقي القطاعات، ما ينشىء نزاعا سياسيا على طاولة مجلس الوزراء ويؤثر على حياة المواطن”.

وعليه، ندور على الدوام في الحلقة ذاتها، إذ يجب أن نرى ثورة في تكريس نظام إقتصادي يسهم في إدارة القطاعات على نحو مختلف، بالإضافة الى ردع تأثير السياسات الخاصة والمصالح الإقليمية على حاضر المواطن ومستقبله، وتحديداً في هذه الضائقة الإقتصادية التي يرزح تحتها لبنان، كي لا يكون النفط نقمة في حال إستخراجه من باطن الأراضي اللبنانية، قريباً!!!  

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع News Folio