في الاجتماع الأخير الذي حصل في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، اتفق المجتمعون على زيادة 600 ألف ليرة، تُضاف إلى الزيادة السّابقة، التي بلغت مليوناً و325 ألف ليرة، ليُصبح الحدُّ الأدنى للأجور، في حال أقرّت الحكومة المقبلة المرسوم، مليونين و600 ألف ليرة لبنانية.
لا شكّ في أن هذه الزيادة ستكون عبئاً إضافياً على كاهل المؤسّسات والشّركات الصّغيرة، التي قلّصت الأزمة الاقتصادية الخانقة أرباحَها. ضمن هذا الإطار، أقرّ الخبير الاقتصادي البروفيسور باتريك مارديني في خلال حديثه لـ”النهار” بأنّ “الجميع يتّفق على ضرورة زيادة الأجور في القطاع الخاصّ، لأنّ القدرة الشرائيّة لدى المواطن اللبنانيّ انحدرت؛ فمن كان راتبه 3 ملايين ليرة، أي 2000 دولار قبل الأزمة الاقتصادية (وفق سعر صرف 1507.5 ليرات لبنانية مقابل الدولار الواحد) تدّنت قدرته الشرائيّة اليوم إلى 100 دولار فقط”.
ولكن السؤال الأساسيّ اليوم هو إن كانت هذه الزيادة ستسمح بتحسين القدرة الشرائيّة لدى المواطن، وهو بالنسبة إلى مارديني السؤال الأهمّ الذي يجب التوقّف عنده.
يُشير مارديني إلى أنّ “هذه الزيادة باقتصارها على القطاع الخاصّ في الوقت الحالي تجعل تمويلها من هذا القطاع حصراً، ولن ينعكس أثرها تالياً على الخزينة العامة؛ ومن المفترض بالشّركات والمؤسّسات التجاريّة، التي لا تزال تعمل حتى الآن، أن تزيد رواتب موظفيها. لكّن المشكلة الأساسيّة هي أنّ هذه المؤسّسات في الوقت عينه تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، والعمل لديها تراجع كثيراً، والحركة الاقتصادية توقفت، لأنّ الشعب اللبناني لم يعد بإمكانه الاستهلاك. وبالرّغم من أنّها تُعطي رواتب قليلة لموظّفيها، فالشركات مستمرّة بالرغم من الخسارة التي تنزل بها، بل هي تأمل في أن يتحسّن الوضع خلال موسم الصّيف”.
ويُضيف مارديني أنّ “المؤسّسات، التي لا تزال تعمل، تستمرّ على أمل أن يتحسّن الوضع في المستقبل، وليس لأنّها تحقّق الأرباح في هذا الوقت”. لكنه حذّر من أنّه “بعد زيادة تكلفة اليد العاملة فإن مصاريف هذه الشركات ستزداد، فيما مداخيلها في الأصل منخفضة. لذلك استبعد أن تستمرّ المؤسّسات وفق الشكل التي كانت عليه”.
وتوقّع مارديني أن تحصل نتيجة لذلك “عمليّات صرف للموظفين في المؤسّسات والشركات الصّغيرة، لأن الشركة التي لديها 10 موظفين – على سبيل المثال – وكانت تدفع للموظف مليون ليرة لبنانية، ستدفع له مليونين، لكنّها ستسرّح 5 موظفين، وتبقي على 5 منهم فقط”.
وحذّر من أنّ “هذه الخطوة بالرغم من نواياها الحسنة، ستؤدّي إلى مزيد من البطالة، وستزيد الأزمة الاجتماعيّة الخانقة، لأنّ بعض الأشخاص ستتحوّل مداخيلهم من مليون ليرة إلى صفر ليرة بعد حصول تسريح كبير للعمّال والموظفين”.
وتابع: “الشركات الكبيرة، يمكن لها أن تزيد الحدّ الأدنى للأجور لموظفيها، فيما الصّغيرة ستكون مرغمة على أن تسرّح بعض أفراد فريقها، وهذه الخطوة تؤذي المؤسّسات الصّغيرة على حساب تلك الكبيرة، ممّا يؤدّي إلى استفحال الأزمة الاقتصادية بدل تخفيفها”.
بناءً عليه، هناك اقتراح، ويتجسّد بـ”صندوق الإصدار” أو “مجلس النقد”، الذي يتشارك فكرته الكثير من الخبراء الماليين والاقتصاديين، ومفاده تثبيت الليرة اللبنانية من خلال وضع الدولارات العائدة للبنان في صندوق، وتحديد قيمة الوحدة النقديّة المحليّة الجديدة بعدد معيّن من الدولارات، ممّا سيحدّد القدرة الشرائيّة، ويُعيد الثقة، ويحدّد حجم الاقتصاد الذي نتوقّع أن ينطلق مجدّداً بالتعاون مع صندوق النقد الدوليّ، بعد تطبيق الإصلاحات.