ضطر لبنان الأربعاء إلى خفض قيمة العملة المحلية للمرة الأولى منذ ربع قرن في تحرك يكشف مدى تضاؤل هوامش تحرك الحكومة لمواجهة الأزمة المالية التي يحاول المسؤولون إخفاءها خلف عناوين الإصلاح الاقتصادي.
وأكد خبراء ومحللون أن خطوة السلطات النقدية تهدف إلى الانسجام مع الوضع الاقتصادي السيء للبلد، لكن لن يكون لها أثر كبير حتى تسهم في إيقاف انفلات المؤشرات السلبية التي عمقت متاعب الأفراد والشركات على حد سواء.
وكشف وزير المال يوسف خليل في مقابلة مع رويترز أن “مصرف لبنان المركزي اعتمد سعر صرف قدره 15 ألف ليرة مقابل الدولار بدلا من 1507 ليرة”، واصفا ذلك بأنها خطوة نحو “توحيد سعر الصرف تدريجيا” في البلاد.
وأضاف خليل أنه سيبدأ تطبيق هذا القرار، الذي توقعه الكثير من المحللين طيلة الأشهر القليلة الماضية، بدءا من نهاية أكتوبر المقبل.
وتطبق السلطات النقدية اللبنانية سعر صرف رسميا قدره 1507 ليرة مقابل الدولار منذ 1997، لكن مع اشتداد أزمة شح الدولار وتبخر الاحتياطات النقدية لم تجد بيروت بدا من دخول هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر.
ورغم محاولات المركزي لتطويق المشكلة على مدار أشهر، إلا أن الليرة تراجعت بأكثر من 95 في المئة من السعر الرسمي منذ سقط لبنان في خضم أزمة مالية قبل ثلاث سنوات، ويجري تداولها حاليا عند حوالي 38 ألفا للدولار في السوق السوداء.
ويعد توحيد أسعار الصرف العديدة أحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي للبنان لتأمين حزمة المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.
وتسود حالة من التشاؤم بين اللبنانيين من السقوط في حفرة أزمات أعمق حيث يدفع انحدار قيمة الليرة أسعار جميع السلع في الأسواق إلى الارتفاع بشكل أكبر.
وتعاني كافة مناطق البلاد من ارتفاع كبير في التضخم وسط تدني دخل المواطنين واعتماد غالبيتهم على التحويلات الخارجية من ذويهم.
وقال صندوق النقد الأسبوع الماضي إن تقدم لبنان في تنفيذ الإصلاحات ما زال بطيئا للغاية. وانتقد قصور ميزانية هذا العام التي تم إقرارها مؤخرا كونها لا تتماشى وطبيعة الظروف الراهنة.
والاثنين الماضي اعتمد البرلمان الميزانية مستخدما سعر صرف لإيرادات الجمارك يقل كثيرا عن قيمة الليرة، وهو ما لا يصل إلى مستوى الإصلاحات التي من شأنها أن تمهد الطريق لاتفاق مع صندوق النقد.
ويُنظر إلى الاتفاق مع المؤسسة المانحة على أنه خطوة أولى حاسمة للبنان للبدء في الخروج من انهيار مالي مستمر منذ ثلاث سنوات دفع معظم الناس إلى الفقر وأغرق البلاد في أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية.
ودعا اتفاق على مستوى الخبراء في أبريل الماضي بين الطرفين السلطات اللبنانية إلى زيادة الإيرادات لتمويل القطاع العام المعطل والسماح بالمزيد من الإنفاق الاجتماعي من خلال احتساب الضرائب الجمركية “بسعر صرف موحد”.
لكن البرلمان أقر ميزانية تحسب إيرادات الضرائب الجمركية عند 15 ألف ليرة للدولار، بينما يبلغ سعر السوق نحو 37 ألف ليرة للدولار.
وينظر المسؤولون إلى الموافقة على سعر صرف أعلى للواردات على أنها خطوة لن تحظى بشعبية في الدولة التي تعتمد بشدة على الاستيراد.
وتتضمن الميزانية التي اعتُمدت قبل ثلاثة أشهر فقط من نهاية هذا العام عجزا بقيمة 11 تريليون ليرة (297 مليون دولار) وبعائدات تصل إلى 30 تريليون ليرة (810 ملايين دولار) وبنفقات تقدر بنحو 41 تريليون ليرة (نحو 1.2 مليار دولار).
واعتبر باتريك مارديني رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق أنه “كان ينبغي أن تتضمن الميزانية إصلاحات لتجنب العجز الضخم في الميزانية، لأن طباعة المزيد من الأموال هي الطريقة الوحيدة لتمويل العجز”.
ورأى في تصريحات لوكالة شينخوا أن “الموازنة تضخمية”، مشيرا إلى أن “طباعة المزيد من الأموال ستؤدي إلى المزيد من التضخم والمزيد من انخفاض قيمة الليرة”
وزادت رواتب جميع العاملين في القطاع العام إلى ثلاثة أمثالها، وشمل ذلك الجيش وقوات الأمن، ويبلغ دخل الكثيرين منهم الآن أقل من 50 دولارا في الشهر.
وقال إبراهيم كنعان النائب الذي يرأس لجنة الميزانية بالبرلمان لرويترز إن “تبادل الآراء بين المسؤولين بشأن سعر صرف الإيرادات الجمركية كلف البلاد وقتا ثمينا”.
وأضاف أن الميزانية “استغرقت ستة أشهر وأن (النقاش) حول سعر الصرف ظل دائرا لوقت متأخر”. وأضاف “هذا ليس صحيا”.
وكان صندوق النقد قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن “التأخير في إقرار ميزانية 2022 يعني أن التركيز يجب أن يتحول الآن إلى ميزانية 2023”.
وأكد أنه “يجب أن يستند ذلك إلى افتراضات واقعية للاقتصاد الكلي، مع إجراءات زيادة الإيرادات اللازمة، ومنها استخدام سعر صرف واقعي لجميع الأغراض الضريبية”.
وقالت سيبيل رزق مديرة السياسات العامة في منظمة “كلنا إرادة” إن “ميزانية 2022 لم تضع لبنان على طريق المساءلة المالية، ولن توفر للحكومة الأموال اللازمة للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي الرئيسي”.
وأضافت “إنها ميزانية رجعية جدا في واحدة من أكثر الفترات حزنا للمجتمع اللبناني”.
وتابعت إن “هذا يظهر أن لبنان لديه الآن دولة زومبي. السلطات لا تبدي أيّ استعداد لبدء إصلاحات رئيسية لإعادة البلاد إلى مسار الاستدامة المالية واستدامة القدرة على الوفاء بالديون وتوفير الخدمات الأساسية للسكان”.
وتقول الحكومة إنه من المفترض أن ميزانية 2022 تصحيحية، لكن ميزانية 2023 ستتضمن إصلاحات أعمق.