تداعيات سعر الصرف الجديد لا تزال غامضة

تداعيات سعر الصرف الجديد لا تزال غامضة

«سعر الصرف الرسمي سيصبح 15 ألف ليرة»، بهذه العبارة المقتضبة تبلّغ اللبنانيون الخبر الصادر عن وزير المالية يوسف الخليل بتصريح لوكالة اعلامية اجنبية، من دون أي توضيحات اضافية، ليستكمل مسلسل الغموض الذي تعتمده السلطة منذ 3 سنوات، تاريخ بدء الانهيار الاقتصادي والمالي في البلاد.

بعد الغموض الذي يلفّ مصير الودائع والتخبّط في خطة التعافي الاقتصادي والمماطلة في إقرار قانوني «الكابيتال كونترول» والسرية المصرفية، أُعلن عن وقف العمل بسعر صرف الدولار الأميركي على أساس 1507 ل.ل. على اعتبار انّه إجراء تصحيحي لا بدّ منه، على ان يُطبّق هذا الإجراء إعتباراً من أوّل تشرين الثاني 2022.


وقد ادّى هذا الاعلان غير الواضح المعالم بعد، إلى خلق خضة وبلبلة في السوق عموماً وفي صفوف اللبنانيين خصوصاً، طارحين اسئلة عدة لا اجوبة عنها بعد، رغم ارتباطها رسمياً بمصير كل لبناني وكل مودع، ومنها، هل سيؤدي سعر الصرف الجديد إلى إلغاء السوق السوداء؟ هل سينسحب سعر الصرف الجديد على كل معاملات الدولة؟ هل سيرتفع سعر اللولار من 8000 ليرة الى 15 الفاً؟ ماذا عن مصير القروض بالدولار؟ هل تتأثر القروض بالليرة اللبنانية بهذا التدبير؟ ماذا سيكون دور صيرفة بعد اعتماد مصرف لبنان سعر الصرف 15 الفاً؟ وهل سيُعتمد لدى احتساب الضريبة على القيمة المضافة؟ وهل سيكون هذا القرار مدخلاً لإعادة هيكلة المصارف؟ وإذا كان سعر الصرف الرسمي ارتفع إلى 15 الفاً ليتماشى مع ارتفاع سعر الدولار الجمركي، هل سيُعاد تعديله لاحقاً مع تعديل تسعيرة الدولار الجمركي المتوقعة مطلع العام المقبل؟

في مقابل كل هذه التساؤلات، اكتفت وزارة المال بالقول في بيان: «ستعمل السلطات المالية والنقدية على احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني (على سبيل المثال القروض السكنية) وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الانتقال المنظّم إلى سعر الصرف الجديد المعتمد».


كذلك أوضحت في بيان آخر، «انّ سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، سوف يتمّ على خطوتين، الأولى على صعيد الدولار الجمركي والثانية على صعيد سعر الصرف الرسمي المراد اعتماده بالتنسيق مع المصرف المركزي، والذي يُعتبر خطوة أساسية باتجاه توحيد سعر الصرف، وهذا مشروط بإقرار خطة التعافي التي يُعمل عليها، والتي من شأنها أن تواكب تلك الخطوة».

في السياق، يقول الخبير المصرفي نسيب غبريل، «انّ قرار رفع سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة الى 15000 الفاً يأتي بعد تثبيت دام نحو 25 عاماً. لذا كان من الأفضل ألا يُعلن عنه بتصريح مقتضب لوكالة أنباء اجنبية، نظراً للبلبلة والخضة التي تسبّب بها في الاسواق». متسائلاً: «اما كان الأجدى تحضير الرأي العام لهذا الخبر وتحضير القطاع الخاص؟ أما كان الأجدى ان يُعلن عن الأمر رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة مع السلطات النقدية للتفسير للرأي العام عن هذا القرار وما ستكون ملحقاته وتداعياته على السحوبات وعلى القروض وعلى رساميل الشركات الخاصة؟ كما كان يجب ان يشرحوا للرأي العام، انّ هذه الخطوة تندرج من ضمن الخطوات الأساسية لتوحيد اسعار صرف الدولار المتعددة في الاقتصاد اللبناني. وأنّ هذا القرار يدخل ضمن الاتفاق الذي سبق للبنان ان وقّعه مع صندوق النقد الدولي في نيسان من العام الجاري. كذلك تأتي هذه الخطوة كواحدة من 9 اجراءات مسبقة اتُفق على ان ينفّذها لبنان قبل حصوله على قرض الـ3 مليار دولار».


وأكّد غبريل انّ الاجوبة عن كل تساؤلات الرأي العام ستبدأ تدريجياً بالظهور من خلال سلسلة تعاميم لا شك يعدّها راهناً مصرف لبنان، حتى تتراجع البلبلة في الاسواق. داعياً الى خلق استراتيجية تواصل مع الناس ومع القطاعات، لتفسير خلقيات هذا القرار وتداعياته على مختلف الصعد.


واعتبر غبريل، انّ تعديل سعر الصرف الرسمي تمهيداً لتوحيد الاسعار هو خطوة اولى من مجموعة خطوات ستؤدي إلى تعويم سعر الصرف الرسمي لاحقاً، ليصبح العرض والطلب في الاقتصاد اللبناني هو الذي يقرّر سعر الصرف، والذي يعتمد بالدرجة الاولى على الحركة الاقتصادية والاستقرار السياسي والانتاج المحلي والاستيراد والتصدير وتدفق رؤوس الاموال وعملية الاصلاح.


وقال: «انّ صندوق النقد الدولي كان يفضّل تعويم سعر الليرة وتحرير سعر الصرف الرسمي دفعة واحدة، الّا انّه من الواضح انّ السلطات الرسمية اللبنانية فضّلت الوصول الى هذه الحالة بشكل تدريجي».


مصير السوق السوداء
ورداً على سؤال عمّا إذا كان هذا القرار سيلغي السوق السوداء لسعر الصرف، يؤكّد غبريل انّ هذه الخطوة لن تلغي السوق الموازية، لأنّه في الأساس وجدت السوق الموازية بسبب شح السيولة في العملات الاجنبية بالاقتصاد اللبناني جراء التراجع الحاد لتدفق رؤوس الاموال إلى لبنان نتيجة ازمة الثقة التي بدأت منذ العام 2017. وطالما انّ اياً من هذه العوامل لم يتغيّر فلا يمكن الغاء السوق السوداء. والمطلوب اليوم لالغائها اتخاذ خطوات اصلاحية تؤدي إلى تدفق رؤوس الاموال وعودة الثقة، فينخفض تدريجياً اللجوء إلى السوق الموازية، ويصبح من السهل شراء عملات اجنبية.


أما عن مصير السحوبات والقروض وغيرها من الإجراءات التي ينتظر المودع بفارغ الصبر لمعرفة كيف ستؤول اليها الامور جراء سعر الصرف الجديد، قال غبريل، انّ كل حديث في هذا الموضوع الآن لا يعدو كونه تكهنات وتوقعات، لأنّ كل الاستفسارات هي قيد الدرس اليوم في المصرف المركزي، ونحن بانتظار ان يصدر تعميماً حولها لإيضاح الصورة.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الجمهورية